30-09-2014

تعليق الأمير محمد بن نايف بالأمس

علق سمو الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية على حربنا ومعنا العالم كله على التنظيمات الإرهابية كما جاء في جريدة (الجزيرة) بالأمس قائلاً: (بالنسة لتقديرات خطر داعش على المملكة فنحن نعلم أن تنظيم داعش لم يتكون بشكل عشوائي وإنما برعاية دول وتنظيمات بكل إمكاناتها ونواياها السيئة وسنواجه بحزم هذا التنظيم وغيره). وكلام سموه يدعمه ويؤكده واقع الإرهاب، ومنظمات الإرهاب ، على الأرض.. خذ - مثلا - تنظيم (داعش)، وقدرته على احتلال (الموصل) في العراق بلمح البصر، وتخاذل الجيش العراقي وقياداته ومعداته وقدراته أمام هذه العصابات، الذين لم يكونوا يملكون حين هاجموا الموصل، إلا سيارات أغلبها (مدنية)، مثبت على بعضها بطريقة بدائية رشاشات وأسلحة متوسطة.. فهل يعقل أن تهزم هذه العصابات بألفي رجل، أو يزيدون قليلا، جيشا مجهزا مثل الجيش العراقي، لو لم يكن خلفهم دول وتنظيمات وظفت ظاهرة الإرهاب، وحماس هؤلاء البسطاء المؤدلجين لهذا الإرهاب واعتباره ضربا من ضروب (الجهاد) الذي هو ذروة سنام الإسلام؟

أعرف كما يعرف الكثيرون وتؤكدها الوقائع على الأرض، أن داعش، وجبهة النصرة، والقاعدة، وقوتها، وتمكنها، لا يمكن أن تبقى، وأن تستمر، وأن تتتمدد، لولم يكن خلفها (دول)، تعينها، وتمدها بالقوة وتحمي تحركاتها؛ صحيح أن تبرعات بعض الفعاليات الأهلية ومساندة بعض الأثرياء في هذه الدولة أو تلك، ساهمت في دعم هذه المنظمات، غير أن هذه التبرعات (هامشية) في اللعبة وتمويلها، وليست في تقديري إلا لمجرد ذر الرماد في العيون، وخداع الناس، وإظهار هذا (الإرهاب) الإجرامي الحقير على أنه (جهاد)، هدفه جعل كلمة الله هي العليا، ويقف خلفه أناس أتقياء، يناصرون الدين، ويدعمون كل ما من شأنه مساندة المجاهدين، انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم (من جهز غازيا فقد غزا)، كما يروجون في خطاباتهم لدعم هذا الإرهاب واستقطاب الشباب للانخراط في خلاياه.

وليس لدي أدنى شك أن كبار من يروجون للإرهاب، على أنه (جهاد)، لا يفوتهم إدراك أنهم منخرطون في لعبة استخباراتية، تديرها وتمولها دول، ويقف وراءها منظمات قامت وتم إنشاؤها لتحقيق هذه الاغراض، لكن الذي يتّجر بالدين، ويستخدمه كمطية لتحقيق أغراضه السياسية، كما هم (المتأسلمون المسيسون) في بلادنا، هم كمهربي المخدرات تماماً، أولئك يخاطرون بحياتهم من أجل الثراء والمال، وهؤلاء من أجل تحقيق طموحاتهم السياسية التي تهدف إليها حركاتهم؛ ومروج المخدرات كما هو مروج الإرهاب، يدركان تماما أن مآلهما (قد) يكون السجن في نهاية المطاف، وربما فقدان الحياة أيضاً، غير أن إغراء المكاسب فيما لو تحققت أهدافهم النهائية، يغريهم على الاستمرار والمخاطرة حتى النهاية.

غير أن ما يجعلنا نطمئن، ونجزم أن هذه الحركات مآلها حتما إلى الضعف، ومن ثم التلاشي، هو ما نراه أمام أعيننا مؤخرا من تحالف دولي ضد الإرهاب؛ هذا الحلف الأخير، الذي يبدو أنه صارم وحازم ومحكم وقوي وقاصم، هو (تغيّر) نوعي في مواجهة العالم لهذه الظاهرة، و سوف ينعكس سلبياً على قدرة بعض (الدول) الداعمة للإرهاب، بشكل يُجاصر وربما يشل من قدراتها على اللعب بالورقة الإرهابية، لتحقيق طموحاتها السياسية، خاصة بعد أن أدرك (الغربيون) أن الحركات المتأسلمة السياسية التي كانوا يتعاطفون معها، هي من أفرزت (داعش) و( جبهة النصرة)، وغيرها من المنظمات الإرهابية الناشطة في المناطق الإسلامية وكذلك في بلاد الغرب التي (جزت) رؤوس مواطنيهم؛ فلدى المملكة كما هو معروف قدرات استثنائية في ضبط الأمن وتتبع الإرهابيين واختراق خلاياهم في الداخل السعوي، غير أن مشكلتنا كانت في الإرهاب القادم من الحارج، واستغلال بعض الدول لهذا الإرهاب، كورقة ضغط سياسية، وتمويله ورعاية أساطينه، ودعم خطابه، و(ترويجه إعلامياً)، وكانت هذه (الثغرة) بمثابة الثقب الذي يتسرب منها الإرهاب ليس إلى بلادنا فحسب، وإنما إلى كل بلدان العالم. فإذا استطاع التحالف العالمي ضد الإرهاب (إغلاق) هذه الثغرة، فالمستقبل كفيل بمحاصرة هذه الظاهرة في أضيق نطاق.

إلى اللقاء..

مقالات أخرى للكاتب