03-10-2014

البُعْدُ الإسْلامِي وَالمَضْمونُ الإنْساني فِي خِطَابِ الأزْهرِ الشّريفِ عنْ مَقَامِ خَادِمِ الحَرَمَيْنِ الشّريفيْنِ (الملك عبد الله بن عبد العزيز)

ألقى شيخ الأزهر كلمة خالدة في حفل تكريم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمنحه شهادة الدكتوراه الفخرية التي لم تعط في تاريخه إلا لشخصيتين ،كما صرح رئيس جامعة الأزهر.

الدكتور محمد عبدالشافي،

الذي صرح أيضا بجهود خادم الحرمين الشريفين في خدمة الأمة الإسلامية والتي تجاوزت حدود الزمان والمكان، مشيداً بوقفته إلى جانب مصر، وقال في كلمته: «إن منح الدكتوراة الفخرية من الأزهر أمر عزيز لشخص عزيز ولم يسبق منحها إلا لشخصين ويتم منحها وفق أسس علمية وموضوعية ورؤية واقعية».، وكان ذلك في تعقيبه على كلمة شيخ الأزهر التي نوه خلالها بدور خادم الحرمين الشريفين وجهوده في دعم مصر والأمة الإسلامية والعربية، وقال إن الأزهر ليسره ويسعده أن «يجتمع رموزه وكبار علمائه وأساتذته لتكريم رجل من رجالات العرب القلائل المعدودين، ومَعلَم شامخ من معالم التاريخ العربي الحديث وقائد حكيم مخضرم مستوعب للمخاطر التي تحدق بأمته من الداخل والخارج، ومتيقظ للمؤامرات التي تدبر لها بليل من قوى البغي والشر».

الأزهر الشريف الذي يعيش في وجدان الأمة الإسلامية منذ قرون سالفة بالرغم من تقلب الأيام وحوادث الزمان، وقد ذهب الناس وبقي الأزهر شامخا يطاول عنان السماء بمشيخته ورجالاته ومؤسساته ونضاله، ومن أنصف ماقيل عنه فيما أعتقده قول الأمير سعود الفيصل :» إن ألف سنة وستين من حياة الأزهر، بما تحمله من تراث زاخر بالعلوم ومناهج علمية رصينة، ومواقف وطنية مشهودة ورؤية حضارية ثاقبة، كانت كفيلة بحفظ مسيرته من الانحراف أو الانجراف وسط تعاقب الزمان وتقلب الأحوال» وأضاف إن « هذا الإرث الحضاري يضع على كاهل الأزهر تحمل مسؤوليات عظام وأعباء جسام في مواجهة ما ابتلينا به في زماننا هذا من تعصب وطرح تعبوي دعائي يكتسي الدين في ظاهره زوراً وبهتاناً ليضفي على نفسه شرعية كاذبة، ويسعى حثيثاً لإخراج منتج فكري متطرف ينفث الإرهاب في كل فضاء، ولا يرتكز في مضمونه ومسعاه على أساس من العلم أو الدين أو الخلق، والاستعانة بعد الله بما كان ولا يزال يقوم به هذا الصرح الكبير من دفاع عن الإسلام كشريعة سمحة، ومنهج حضاري لمواجهة هذه الظواهر والتيارات التي أساءت للإسلام وأدت للتغرير بصغار السن وضعاف النفوس واضطراب أفكارهم» .

هذا هو الأزهر والذي صرح به الأمير هو لسان حالنا جميعا تجاه مصر العزيزة وأزهرها الشريف ولن يستطيع أحد أن يوفيه حقه ومستحقه في حالة الاتفاق وحالة الاختلاف، الأزهر الذي بقي حصنا حصينا على اختراق الإرهاب والحزبيين والجماعات التي شوهت الإسلام بمطامع سياسية، والذي أعطى درسا وطنيا في موقفه الأخير من مستقبل مصر العزيزة ليؤكد للجميع أنه في الموقف الشرعي الصحيح وفي الموقف الوطني الشريف، الأزهر الذي يتربع على عرش قيادته علماء أجلاء أكارم استعصوا على الأدلجة والشخصنة، وتميزوا على مر تاريخه بالاجتهاد والسياسة الشرعية والفهم الصحيح لفقه جلب المصالح ودرء المفاسد، الأزهر التاريخ والعمارة والفنون والعبقرية ولايبالغ من يحكم على أنه أعرق مسجد في مصر في ألف عام، ومن أهم المساجد في تاريخ الأمة الإسلامية، وقد تحول خلالها من مسجد للصلاة إلى أحد أبرز وأشهر الجامعات الإسلامية في العالم، الأزهر الذي تربع على رأس التاريخ الإنساني بتيجانه المزخرفة ويكفيه أنه شاهد على ملحمة العمارة الإسلامية المتأثرة إلى حد كبير بتخطيط مسجد عقبة بن نافع بمدينة القيروان التونسية ومسجد الزيتونة بالعاصمة التونسية وجامعة القرويين في فاس أقدم جامعة باعتراف العالم، وشاهد أيضا على مراكز الحضارة في الأمة الإسلامية في سالفها العريق ولكن الجامع الأزهر شيد بأيدي بنائين مصريين ومواد وتقنيات مصرية، المصريون العباقرة الذين شيدوا الإهرامات أم العجائب السبع والتي تعد مفخرة الإنسان من العصور الجليدية إلى هذا اليوم، الأزهر عبر تاريخه ظل منارة تعليمية وثقافية أسهمت في تنوير الأمة... واستعصائها على الذوبان والتلاشي أمام تقلبات التاريخ واضطراب الحضارات. ..

وهذا هو خادم الحرمين الشريفين المحتفى به من هذه المؤسسة الشرعية ذات المضامين الإسلامية، ويؤكد ذلك من تتبع سيرة الملك عبد الله في حبه للعرب والمسلمين وتحمله الأعباء وكثيرا ما يقسو على نفسه من أجل مصلحة الإخوة العرب والمسلمين، يجمعهم إن تشتتوا ويعذرهم إن اجتهدوا ويفتح لهم قلبه إن اعتذروا، ويدافع عنهم وإن خالفوا، خادم الحرمين الشريفين الذي أرسى قواعد الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتحقيق السلم العالمي في أشد مناطق العالم توترا وصراعا عن طريق إطلاق مبادرات السلام والحوار والتعايش من خلال دعم المبادرات السياسية والقضايا الإنسانية وفتح قنوات الاتصال والحوار والتأثير المباشر في الخطاب العالمي من أجل حل الأزمات التي تعاني منها المنطقة العربية وإحلال الأمن والسلام في العالم، والتي كان لها الأثر الكبير في إيجاد التفاهم والتقارب بين الشعوب، لتؤكد المملكة بحكمة قيادته السياسية أنها تقوم بدور محوري وتمثل شراكة استراتيجية لكل من يبحث عن حل دبلوماسي للقضايا العالمية، وعن طريق تطبيق فعلي لكل القرارات العالمية التي تصب في مصلحة السلم العالمي، خادم الحرمين الذي نجح في فرض رؤية سياسية ثاقبة وبعد نظر حيال الأوضاع العالمية، وكان في موقفه الرسمي مع الإنسان ضد الاستبداد والدكتاتورية وإفرازاتها وكان في خطابه مع الشعوب كي يفرض توازنا بينها وبين الآخرين، مؤكدا حرص بلاده حفظه الله على تعزيز علاقات الجميع مع المملكة العربية السعودية التي تتمتع ببعد إسلامي وأبوة روحية للمسلمين في كل أنحاء العالم من خلال الاهتمام بملفاتهم المصيرية وقضاياهم الإنسانية.

إن الأزهر الشريف وخادم الحرمين الشريفين في تلك العلاقة يؤكدان على فرض الاحترام التاريخي لطرفي تلك المعادلة الإسلامية الإنسانية، ولا أدل على ذلك من إصداره الكريم بترميم الأزهر الشريف ليبقى شاهدا على مكانته في الوجدان السعودي حسبما أعلنه سمو الأمير خالد بن بندر في زيارته لمصر الأخيرة، فأكرم بالمحتفي الأزهر وأنعم بالمحتفى به خادم الحرمين الشريفين، وقد آن الأوان أن تتوج جائزة نوبل تاريخها الحافل في خدمة البشرية بحصول خادم الحرمين الشريفين على جائزة نوبل للسلام بعد كل التاريخ الحافل والمسيرة العطرة في خدمة الإنسان والسلام لتكمل مسيرة تكريم هذا الملك الصالح والقائد الحكيم والإنسان النبيل، والله من وراء القصد.

abnthani@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب