04-10-2014

زكية شموط.. رائدة النضال الفلسطيني

غيب الموت في العاصمة الجزائرية يوم الثلاثاء 16 / 9 / 2014 م المناضلة زكية شموط « أم مسعود» دون أن يتحقق حلمها برؤية فلسطين محررة.

والراحلة من أوائل الفدائيات الفلسطينيات اللواتي نفذن عمليات فدائية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948م، وبلغ عددهن 7 عمليات في نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، وأصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية حكماً بحقها بـ12 مؤبداً (1188 سنة)، بينما حكم على زوجها المناضل محمود مسعود بالسجن مدى الحياة.

وقد أمضت رائدة النضال الفلسطيني المناضلة زكية شموط « أم مسعود « في سجون الاحتلال الصهيوني 15 عاماً بشكل متواصل وتم الإفراج عنها و زوجها في صفقة تبادل الأسرى عام 1985 م، و أبعدت إلى الجزائر.

و برحيلها تكون صفحة من أطهر وأسمى صفحات نضال المرأة الفلسطينية ضد العدو الصهيوني قد انطوت .

وجاء رحيل « أم مسعود « ليلقي مزيداً من الضوء على دور المرأة الفلسطينية في مواجهة العدو على مدار قرن من الزمان.

فقد وقفت المرأة الفلسطينية مائة عام وهي شامخة كحد السيف صامدة في وجه الظلم والقهر والتعنت.

مائة عام وهي تتجرع الألم والمهانة لكنها أبدًا ما كلت برسالتها النضالية.

تعرضت للذل وللاعتداءات الجسدية داخل سجون التعذيب الإسرائيلية، ولكنها أبدًا لم ترضخ ولم تستكين من أجل أن تشرق شمس الحرية على أرض وطننا الحبيب.

من أجل فلسطين جادت بالزوج والابن والحبيب ثم ضحت بالروح !.

إنهن نساء فلسطين اللاتي جسدن بارواحهن الطاهرة ودمائهن الزكية نضال وجهاد المرأة الفلسطينية في التاريخ بحروف من نور، وأعدن للأذهان دور المرأة المميز في مقاومة المحتل.

لقد احتلت المرأة الفلسطينية مكانـًا بارزًا ومميزًا في النضال الوطني بكافة أشكاله، وبدأ نشاطها في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، فشكلت مجموعة من النساء لجان إسعاف، ولجانـًا لجمع التبرعات للوفود الفلسطينية التي كانت ترسلها الهيئات القومية آنذاك للدفاع عن الوطن ومواجهة الخطر الناجم عن وعد بلفور عام 1917م، وكانت ( ثورة البراق) عام 1929م نقطة تحول وبداية عهد جديد، وذات أثر عميق في حياة المرأة الفلسطينية التي وجدت نفسها أمام المسؤولية الملقاة على عاتقها، فقامت ولأول مرة في تاريخ فلسطين بعقد مؤتمر نسائي في مدينة القدس بتاريخ 26 أكتوبر عام 1929م حضرته ثلاثمائة امراة فلسطينية من القدس ويافا وحيفا وعكا وصفد ونابلس ورام الله و جنين وغيرها، حيث تم تشكيل وفد من 14 سيدة لمقابلة المندوب السامي البريطاني لإلغاء وعد بلفور.

وفي الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م إثر الإضراب العام الذي شمل جميع مدن وقرى فلسطين، عقدت 600 طالبة فلسطينية اجتماعـًا هامـًا في 4 مايو «أيار» قررن فيه الاستمرار في الإضراب حتى تستجيب سلطات الانتداب البريطاني لمطالب الشعب الفلسطيني، كما قررن اتخاذ الوسائل الضرورية لمقاطعة البضائع الإسرائيلية والأجنبية، وأرسلت لجنة السيدات العربيات في القدس كتابـًا إلى مؤتمر السلم العالمي في بروكسل في 3 أيلول «سبتمبر» 1936م طالبن فيه بوقف الهجرة اليهودية وإقامة حكومة وطنية في فلسطين.

لقد أسهمت المرأة الفلسطينية في جمع الأموال لعائلات الشهداء وعائلات الثوار التي خرج أبناؤها للجبال للاشتراك في الثورة على الاحتلال البريطاني، وشاركت في نقل الطعام والماء والسلاح إلى الثوار في الجبال، بالإضافة إلى تزويدهم بالضمادات والأدوية لإسعاف الجرحى، وقد جاهدت بعض النساء جنبـًا إلى جنب مع الرجال في المعارك، وفي خضم مشاركتها بالكفاح المسلح من أجل التحرير ومقاومة الاحتلال البريطاني لفلسطين قدمت أولى الشهيدات في عام 1936م. كانت المرأة الفلسطينية تودع الثوار بالزغاريد لتلهب حماسهم وتحثهم على التضحية والاستماتة في الدفاع عن الوطن، وحين يعود الثوار وهم يحملون الشهداء تستقبلهم بالزغاريد لتعلن اعتزازها وفخرها بأبنائها.

لم تخف المرأة الفلسطينية ولم تجبن، ولم تتردد في التضحية من أجل الوطن، فقدمت مالها وحليها من أجل شراء السلاح للدفاع عن الوطن، وكانت بعض النسوة يشترطن أن يكون مهرها بندقية.

وبعد نكبة عام 1948م ضاعفت المرأة الفلسطينية جهودها لتخفيف آلام العائلات الفلسطينية المنكوبة التي اضطرت بسبب الإرهاب الصهيوني إلى الرحيل عن مدنها وقراها.

وفي زمن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م وصلت المرأة الفلسطينية إلى درجة من النضج الفكري والوعي السياسي أدت إلى إدراكها لأهمية النضال من أجل الوطن، وبروز صورة المرأة الفلسطينية القوية الشجاعة، الذكية الواعية، المؤمنة بعدالة قضيتها وبحتمية انتصار شعبها في استرداد حقوقه المغتصبة، فنشطت الحركة النسائية وتشكلت في بعض المدن مثل نابلس ورام الله لجان من النساء لإغاثة المتضررين.

لقد تعاظم كفاح المرأة الفلسطينية، فحملت السلاح لتدافع عن وطنها، واشتركت في الكفاح المسلح ضد الاحتلال رغم علمها أن ذلك قد يسبب في هدم منزلها وتشتيت عائلتها وتعرض أفرادها للتعذيب، بالإضافة إلى تعرضها للسجن مما يؤدي إلى حرمانها من رعاية أطفالها، ولم تستطع أن تتصف بالسلبية واللامبالاة إزاء ما يجري حولها، فقد شعرت أن الاحتلال يهدد كيان شعبها ووجوده على أرضه لذلك ناضلت لأجل تحرير وطنها من الاحتلال.

وقد أصيبت بعض النساء أثناء قيامهن بعمليات المقاومة، فمنهن من فقدت عينـًا أو يدًا أو كلتيهما، ومنهن من أصيبت إصابات بليغة بشظايا المواد المتفجرة، ومنهن من استشهدت أثناء تنفيذ العملية أو الإعداد لها.

وتحملت المرأة الفلسطينية صنوف العذاب في المعتقلات الإسرائيلية من أجل نيل الحرية والاستقلال.

وفي زمن الانتفاضة الشعبية المباركة الأولى والتي اندلعت في التاسع من ديسمبر 1987م أصبح لدى المرأة الفلسطينية قناعة ذاتية بدورها النضالي وبضرورة ممارسته بكل ثقة ووعي ودون خوف، حيث اتسع نشاطها العسكري والسياسي والاجتماعي.

لقد أحدثت الانتفاضة تأثيرًا بالغـًا على صعيد تكوين الشخصية النسائية الفلسطينية، فكان للمرأة المشاركة الفعالة على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والسياسية والنضالية، وقدمت العديد من التضحيات في سبيل الحفاظ على هويتها الوطنية.

لقد ظهرت المرأة الفلسطينية كأنها الجدار الواقي لصد رياح الاحتلال، ودفعت الانتفاضة بالمرأة في الأراضي المحتلة للصفوف الأولى، فمنذ اللحظة التي خرج فيها الأطفال والشبان إلى الشوارع يرجمون جنود الاحتلال لحقت بهم النساء يلقين الحجارة على القوات الإسرائيلية بحقد مزدوج ، وأحيانا تجاوز حقدهن ثنائيته، فهن يرجمن الاحتلال وما يمثله عندما يرجمن جنود الاحتلال بحجارتهن ويدفعن رصاص الصهاينة الموجه إلى صدور الصبية والمتظاهرين أو يدافعن عن أخ أو أب أو زوج في زنازين الاحتلال ومعتقلاته وكان أداؤهن مذهلاً باستمرار.

وفي مرحلة طعن جنود الاحتلال والمستوطنين بالسكاكين كان للمرأة الفلسطينية دور بارز في هذه المرحلة، فعشرات من هذه العمليات قامت بها نساء وفتيات.

ومع بدء الانتفاضة الثانية «انتفاضة الأقصى» في 28 / 9 / 2000 م، ونتيجة لقصور في الرؤيا لدى الفريق الذي راهن على اتفاق أوسلو وما ترتب من سلبيات على هذا الرهان وهذا النهج الاستسلامي، بدأ التوجه من قبل المرأة الفلسطينية ميدانياً بدعم «خيار المقاومة».

لقد جاءت انتفاضة الأقصى لتضيف المرأة الفلسطينية سفرًا جديدًا إلى سجلها الخالد من خلال تصديها البطولي لقوات الاحتلال جنبـًا إلى جنب مع الرجل، مضحية بالزوج والولد والروح فداءً للوطن وحريته وكرامته.

لقد قدمت المرأة الفلسطينية حتى اليوم أكثر من « 500» شهيدة، فيما اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي «15» ألف امرأة منذ العام 1967م بينهن « 900» امرأة خلال انتفاضة الأقصى.

عشرات النساء الفلسطينيات اللواتي تحكي كل واحدة منهن حكايات وملاحم بطولية وبتضحيات لا مثيل لها في تاريخ المرأة.

الراحلة العظيمة « أم مسعود»:

كم كنت عظيمة كما كانت جميع نساء فلسطين، وكم زرعت الأمل في نفوس القاعدين الخاملين، ومن كلماتك رسمت خيوط الانتصار والهمم العالية التي تعبد الطريق له.

نحن بحاجة إلى مدرستك لنتعلم منها دروس التضحية والثبات وقوة الإيمان، ونستخلص منها العبر بأن الآجال مقدرة من عند الله وأن الفوز بالشهادة هو الانتصار الحقيقي والمنتظر.

كنت مثال الأم الحنون، وكنت نموذج الأم المعطاء والمحسوس والمجبول بدم فلذات الأكباد.

وستبقين أيتها الراحلة العظيمة مثالاً للمرأة العربية المسلمة المجاهدة التي يحتذى بها.. وبقوتها وصبرها وحبها للجهاد.

كاتب وصحفي فلسطيني

مقالات أخرى للكاتب