05-10-2014

مفهوم الاستخلاف

كثيراً ما نحيّد العقل، أو نجتزئ من أدلة النقل ما نريد ونترك ما سواها لهوى في النفس، والأخطر من ذلك كله التجاهل والإعراض عن السماع للعلماء الراسخين في العلم، وذلك بالرجوع إليهم في تفسير ما يتشابه على الإنسان من أدلة وأحاديث، فالإسلام منهج حياة، وليس عقيدة وشريعة فحسب.

* من المؤسف أن مفهوم الاستخلاف بعمومه قد أساء للإنسان، وهو يؤسس علاقته مع غيره من البشر، على اختلاف أجناسهم، وأعراقهم، ومللهم، حتى غير المسلمين أساؤوا فهمه، بسبب سلوك بعض المسلمين، بل إن هناك من المنظمات من تذكي الخلاف في هذا المفهوم، لتحقيق أهداف سياسية.

* دراسات عديدة، وأطروحات كثيرة تناولت معنى الاستخلاف في المال، بوصفه عصب الحياة، وعليه المدار في كل شيء. لكن الاستخلاف في الحياة أشمل مما قد يتصوّره البعض، لأن المرتكز عليه والقاسم المشترك بين البشر هو مدى الالتزام بتحمّل (الأمانة) من عدمها، لأن الإنسان، بصرف النظر عن منتماه هو الوحيد من المخلوقات الذي تصدى للأمانة على عظمها وثقلها.

* من أجل ذلك، كان التساؤل العظيم من الملائكة حينما أخبرهم الخالق بالأمر، الذي هو استخلاف الإنسان في هذه الأرض {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء}، ولنأخذ الفساد، وسفك الدماء، بشكل عام، وتحت أي مسوغ، فقد كان ذلك الخبر هو مصدر القلق والخوف من الملائكة، لكنهم قابلوا ذلك بالامتثال للأمر الإلهي، بوصفه عليماً بما يعمر الكون والحياة.

* الاختلاف بين البشر، في أجناسهم، ومعتقداتهم أحد الأسباب التي انبثق بسببها الصراع بين البشر على امتداد التاريخ، وربما كان سبب ذلك هو فهم كل جنس بشري، وصاحب ملة لمعنى الاستخلاف، وربما يكون هذا الصراع بين قوى البشر والذي ينفرون منه سبب كبير من أسباب عمارة هذا الكون، بشقيه الدنيوي والمادي، وإن بدا في ظاهره خلاف ذلك.

* الصراع بين البشر على القيم هو ما يخلق التوازن، ويعطي الاتزان، والوسطية، والاعتدال، وتحكيم العقل في شؤون الحياة بعداً كبيراً، والراسخون في العلم، وبعض الفلاسفة الكبار هم من يستوعب ذلك ويستظهره.

* أعود. إذا كانت (الأمانة) هي المرتكز الأساس في أحقية الاستخلاف في الأرض بين البشر، فإنها أي (الأمانة) تتحقق بمظاهر عديدة، أساسها توحيد الله، وإفراده بالعبادة، وأداء حقوق العباد بالمحافظة على أموالهم، وأعراضهم، وتحقيق المساواة والعدل بينهم، ورفع الظلم بمختلف أنواعه عنهم، فإذا تحققت هذه المقومات كان الإنسان جديراً بالاستخلاف.

* إذن، على العلماء مسؤولية كبيرة، في توضيح معنى الخلافة، والاستخلاف، وبخاصة في هذا الزمن، أو الظروف الصعبة الذي نمسي ونصبح فيه على ترويج هذا المصطلح على نطاق واسع، ويتخذ من مفاهيمه الخاطئة، سبباً في القتل والتدبير، واستباحة الأنفس، والأعراض، والأموال المعصومة، وتبرير الخروج على ولاة الأمر، أو التقليل من شأنهم، أو الفهم من معناه على أنه السيادة والسيطرة على العالم، والاحتكام إلى منهج وشريعة واحدة. مجتمعنا بشكل خاص، والعالم الإسلامي بشكل عام يحتاج إلى من يبصره بهذا الجانب، فما يطرق ويطرح من العلماء لا يزال قليلاً.

dr.alawees.m@gmail.com

dr_alawees@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب