05-10-2014

ذكريات رجل مرور !

نشرت بعض الصحف، ومواقع التواصل الاجتماعي صوراً معبّرة عن شباب سعوديين، بزيهم الرسمي، يرتدون فوقه سترات اللون التحذيري، وهم ينظّمون حركة المرور في طريق العليا، بعد إغلاقه وتحوله إلى اتجاه واحد، من الشمال إلى الجنوب، بسبب أعمال مترو الرياض، حيث يقومون بعملهم التطوعي يومياً، منذ خمسة أيام مضت، من الرابعة عصراً، حتى الحادية عشرة مساءً.

يحتمل هذا الخبر ردود أفعال مختلفة، قد يعبّر عنها المواطن، هي الإشادة بموقف هؤلاء الشباب المسؤول، والوقوف احتراماً لهم، وهذا بلا شك أمر منطقي، لأن الأعمال التطوعية تنتشر في الدول المتقدّمة، وهي تعزّز السلوك الإيجابي لدى المواطن، إلى درجة أن سائق المركبة قد يمتثل لهؤلاء الشباب، ويحترم قواعد السير أكثر مما قد يفعل لو كان الواقف أمامه رجل مرور!

من ردود الفعل تجاه هذا الخبر هو القلق من أعمال المترو، وما قد تتركه في الرياض من فوضى مرورية، وأزمة خانقة في السير، وتأخير في تسليم المشروع، مما قد يعيق السير مدة أطول...

ومن ضمن التفاعل مع مثل هذا الخبر، وهو الأهم هنا، في هذا الموضوع، التساؤل المشروع، عن رجل المرور، أين هو؟ لماذا المدينة تكبر، والسكان يتكاثرون، والمركبات تتضاعف مراراً، بينما رجل المرور يتناقص، أن لا يتغيّر عدد أفراده، أو حتى لو زادت كوادره بنسب طفيفة، لا تتوازى مع توسع المدينة وازدياد سكانها.

فالأعمال التطوعية لا تظهر إلا عند الأزمات، ونحن لسنا في أزمة حرب، ولا غرق وفيضان، بل كلنا نعرف متى ستبدأ أعمال حفر مترو الرياض، فلماذا لم يتم التنسيق بين الشركات المنفذة، التي وقّعت عقودها بالمليارات، وبين مرور الرياض، وأمانة منطقة الرياض، بدلاً من ترك الأمر (لفزعة شباب نبلاء)؟ فهل الأمر نتج عن سوء تقدير، وعدم تنسيق بين الجهات ذات العلاقة؟ أم أن الأمر لا يعني شيئاً للجهات المسؤولة؟

وقد يلاحظ المرء، وبعيداً عن هذه الواقعة، أن رجل المرور أصبح من الماضي، لم يعد موجوداً كما كان في الثمانينيات من القرن الماضي، حين كان بسيارته الخضراء حاضراً في كل مكان، في كل شارع، وعند كل إشارة مرور، ولم يكن حاضراً بجسده فحسب، بل كان ذلك الحضور المسؤول، الذي ينظّم السير، ويراقب حركة المرور، ويعاقب المخالفين، ويحتفظ بقيمته وهيبته أما الآن فلا أثر له!

نحن لسنا كالدول المجاورة من حيث عدد السكان، لدينا كثافة سكانية أكثر منهم، وكذلك لدينا بطالة أكثر منهم، بالذات للمرحلة الثانوية وما دونها، فلماذا لا نكسب من الجهتين، توظيف هؤلاء الشباب في المرور والشرطة، وتخفيف معدل البطالة، ومن جهة أخرى نملأ النقص الحاصل في تواجد رجال المرور في المناطق التي تشهد عديداً من حالات الفوضى!

لقد أصبح رجل المرور من ذكريات الزمن الجميل، زمن الطيبين كما يُقال، لكنه مع التخطيط المستقبلي الجيد نتمنى أن يعود، ويصبح أمراً واقعاً بدلاً من هذا الغياب الطويل.

مقالات أخرى للكاتب