08-10-2014

أنت تريد وأنا أريد .. وللأقدار مفاجآتها !!

منذ كنت طفلة صغيرة، كان لدي اعتقاد عميق بأن الكبار لديهم دراية وإحاطة بكافة الأمور، وأنهم حريصون على أمنك واسترخائك للتفرغ لشؤونك الخاصة، هم الذين يمنحونك المعرفة لكل المواقف والصور المحيطة بك، وهم أيضاً من يلهمك السلوك والتصرف المناسب في كافة الحالات، لكي تتقدم خطوة أو تتأخر أو تقف مكانك فقط متأملاً، في طفولتي كان أولئك الكبار هم أمي وأبي، ثم اتسعت الدائرة ليصبح الكبار هم معلمتي ومديرة المدرسة، ثم اتسعت الدائرة ليصبح الكبار هم المسؤولون في القطاعات الهامة، ثم أصبحوا هم القادة والحكام تحت أي سماء كانوا، ثم.. دار الزمان وتغيرت معالم الكون حتى جاء ذلك اليوم الذي أصبح فيه العدل والأمن عملتين نادرتين ليدفعني ذلك بقوة وشراسة لأكون على يقين واحد أنه:

«ماحكّ جلدكَ مثلُ ظفرك

فتولى أنتَ جميع أمرك»

* * *

كانت أشواقنا متبادلة، ما بين عناق وابتسامات وكلمات تتصاعد كبالونات الأعياد، أخذتنا أحاديث شتى، لم أفكر يوماً بمحاصرتها او ممارسة الوصاية عليها، كعادتي معها تحدثت بمنتهى الصدق والعفوية حتى بلغنا مشارف الأحلام الملونة التي قد تُغرقنا في أمواجها دون أن نعلم، تحدثت عن جميلة السينما الكلاسيكية «مارلين مونرو» التي شاهدت سيرتها مؤخراً، قلت وأنا أستعيد صور المذكرات المعروضة عبر الشاشة:

كانت حياتها صاخبة رغم ذلك البريق الظاهر، لم تجد فائدة من أولئك الآلاف من الرجال حولها، الكاتب آرثر ميلر كان واحداً من عشاقها المخلصين، وقد تزوجها لفترة قصيرة من الزمن، أدهشني أنها لم تكن تعرف «مارلين» وزاد ذلك من حماسي في الحديث، حتى بلغت النهاية،.. يقال أنها ماتت منتحرة بعد أن التهمت كماً كبيراً من المهدئات!.. تغيرت ملامح صاحبتي، نظراتها، لكن كنت أنتظر حديثها كالعادة، لكنها هذه المرة آثرت الانفراد ببوحها لنفسها وتخيل الكثير من التحليلات لحديثي العفوي، كان ذلك مريراً، غامضاً ومبهماً، صاحبتي «ذهبت مع الريح».

-مقطع من قصة-.

* * *

وانطفأت شمعة أخرى .. هذا العيد:

من أجمل ما تعلمته منذ خطواتي البكر الأولى على هذه الأرض احترام الكبار ووضعهم في مكانتهم الأجمل، هم نظراء للوالدين وهم الأصول والجذور وهم من يمثل تلك المظلة الدافئة التي تحميك من مستجدات الأحداث، الذين يمنحونك الأمن والراحة والسعادة، في مقدمة هؤلاء صوت جميل افتقدته هذا العيد، كان العيد لايكتمل إلا بها مهما كانت بعيدة إن لم تكن حاضرة جسداً فلابد من مصافحة صوتها لتمنح العيد جماله وعنوانه، امرأة تجسد فيها الكثير من معاني الحب والحنان، هي امرأة عاشقة للجمال أينما كان ولو ساعدتها ظروف الحياة وأخذت من العلم والثقافة نصيباً أكبر لربما أصبحت كاتبة أو شاعرة، لكنها سكبت تلك الخبرة والأحاسيس الجميلة في سلوكها وتعاملها مع الآخرين لتصبح نموذجاً للحب والاحتواء وللصبر على كافة أنواع الابتلاء، ولطالما صبرت على آلام ذلك المرض الذي جعلها تلازم الفراش بضع سنوات قبل رحيلها الأخير، هي عمتي الجميلة التي فقدتها قبل أيام من حلول هذا العيد، رحمها الله وجعلها في أعلى منازل جناته.

مقالات أخرى للكاتب