08-10-2014

إرهابنا في نفس الميزان مع إرهاب الآخرين

نبدأ بالأمثلة التاريخية الموثقة أولاً ثم طرح الأسئلة.

كتب الكاهن الكاثوليكي الأسباني بارتولوميو دي لاس كازاس عام 1542م تقريراً عن الممارسات اليومية للغزاة الأسبان في أمريكا الوسطى وجزر الهند الغربية، ويورد ما حصل في نيكاراغوا على سبيل المثال فقط للسياسات المطبقة في جميع المستعمرات الأسبانية في ذلك الزمان. يقول التقرير:

لأن أراضي السكان الأصليين وبدون استثناء كانت حدائق وجنات خصبة، اتخذ الجنود الأسبان مساكنهم حيث كان يقيم السكان الأصليون، كل فرد منهم في المكان الذي تخصصه له القيادة العسكرية أو كما يسمونه المكان الذي يتم ائتمانه عليه. في هذا المكان بدأ الجندي المسيحي الأسباني يستغل الحقول ويستولي على كل الأرض والممتلكات المعيشية لصاحبها الأول. بهذه الطريقة أحكم الأسبان سيطرتهم على كل الهنود الأصليين، رجالا ً ونساءً وأطفالاً، وسخروهم للخدمة ليلاً ونهاراً بدون مقابل وبدون الحصول على أي فرصة كافية للراحة البدنية. انتهى الاقتباس عن الأحوال في نيكاراغوا

في مكان آخر من تقرير الكاهن لاس كازاس نجد التالي عن كولومبيا:

بينما تقاسم الأسبان فيما بينهم كامل الأراضي الكولومبية، بما في ذلك السكان من أسياد ونبلاء ومواطنين، وبعدما دمروا بالعنف كل مقومات الحياة للسكان الأصليين سجن القائد الأسباني الملك بوجوتا الحاكم الأصلي في تلك البلاد في غرفة ضيقة لسبعة شهور، وبدون أن يسمح لأحد بالتحدث إليه بكلمة واحدة. أراد القائد الأسباني الحصول على الذهب والزمرد من الملك. كان اسم الملك بوجوتا (وهو اليوم اسم عاصمة كولومبيا) ولأن هول الموقف أدخل الملك في خوف شديد من عنف هؤلاء الغرباء، وعدهم بأن يهبهم بيتاً من الذهب إن أطلقوا سراحه. لتأمين هذه المهمة أرسل الملك بوجوتا بعض رعاياه السابقين لجمع الذهب والجواهر من أنحاء البلاد، وقد أحضر هؤلاء بالفعل كميات كبيرة إلى القائد الأسباني، ولكنها لم تكن تكفي لبناء بيت من الذهب والجواهر. أصدر القائد الأسباني أمراً بمحاكمة الملك بوجوتا بتهمة الكذب والحنث باليمين وصدر الحكم عليه بالتعذيب أولاً ثم الإعدام.

تم تنفيذ الحكم بالطريقة التالية كما وصفها الكاهن لاس كازاس: اقتادوا الملك بوجوتا وربطوه على خشب المشنقة ثم نثروا مادة الجير الحي الكاوية على أعضائه التناسلية. أوثقوا كل ساق إلى وتد وربطوا عنقه إلى وتد ثالث، ثم أمسك جنديان بذراعيه وأشعلت النيران بين ساقيه المربوطتين. كان الحاكم الأسباني يلقي من آن لآخر نظرة سريعة على الملك وهو يعذب حتى لفظ أنفاسه الأخيرة بهذه الطريقة. انتهى تقرير الكاهن عن كولومبيا.

ننتقل الآن إلى مثال آخر للإرهاب الذي مارسته الحضارة المسيحية الغربية على الآخرين.

الحديث هذه المرة عن الغزو الأنجلوسكسوني البروتستانتي لأمريكا الشمالية. مهم جداً أن تنذكر المبدأ الذي قامت عليه البروتستانتية، وهي حركة تصحيح دينية احتجاجية على ممارسات الكنيسة الكاثوليكية في روما، وترفع مبدأ التنوير العقلاني وتطبيق العدالة أمام الرب.

تحت رايات هذه الحركة قامت ما يسمى الآن الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن على أشلاء أكثر من ثلاثين مليون قتيل من السكان الأصليين، ومن اجتلاب مئات الألوف من الأفارقة المصفدين بالسلاسل لتحويلهم إلى عمالة مسخرة بالمجان وبدون أي حقوق.

في عام 1787م وقع الممثلون عن مكونات الولايات الأمريكية الأولى ما يسمى «وثيقة بنسلفانيا الدستورية». أعطيت في هذه الوثيقة لكل ولاية صلاحية تحديد من له حق الانتخاب من رعاياها. في الولايات الشمالية منح حق التصويت لكل الرجال البالغين بشرط أن يكونوا من البيض وبصرف النظر عن انتمائهم الطبقي والمهني، أما الولايات الجنوبية فلم يطبق فيها حتى هذا الحق الجزئي المنقوص. النساء والعبيد والمتبقون من السكان الأصليين لم يحصلوا على حق التصويت في كل الولايات الشمالية والجنوبية. في نفس الوقت تم إلغاء قانون منع الملكية الذي كان مفروضاً على الرجال البيض المنتمين إلى مستويات أقل من طبقات الأعيان والنبلاء، ولكن القانون استمر فعالاً ومطبقاً على النساء والعبيد والسكان الأصليين.

بسبب الخلاف بين الولايات الشمالية والجنوبية على النسب العددية في استحقاق التصويت وما يترتب عليه من حقوق التمثيل البرلماني، طالب المندوبون عن الولايات الجنوبية بتضمين العبيد الأرقاء ضمن احصائية السكان وتم الاتفاق في النهاية على منح كل عبد ثلاثة أخماس صوت فقط. تبعات هذه القوانين العنصرية في دولة قامت ادعاء على البروتستانتية التصحيحية استمرت فاعلة حتى نهاية الستينيات من القرن العشرين، وما زالت مؤثرة خلف الكواليس حتى اليوم. انتهى الحديث عن وثيقة بنسلبانيا الدستورية الأمريكية.

الأسئلة المطروحة للنقاش: على ضوء ما يبرمج الآن به العالم كله من أن آفة الإرهاب صناعة إسلامية عربية سنية، لا بد من أسئلة كثيرة من قبيل التالي:

1 - أين الوثائق عن أي ممارسات إرهابية تعرض لها الأسبان أيام الحكم العربي الإسلامي في أسبانيا، وهو الذي سبق الغزو الأسباني لأمريكا الجنوبية بثمانمائة عام.

2 - متى يتم الاعتراف بالإرهاب الفرنسي وتبعاته المروعة في الجزائر، وبإرهاب الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وبجرائم الغزو الأمريكي في العراق، على سبيل الأمثلة فقط.

3 - لماذا لا يتم، على الأقل، تعميم التوصيف الإرهابي على كل المذاهب الإسلامية الرئيسة وتبقى جرائم إيران في العراق وسوريا مستبعدة من الإعلام والمحاسبة.

4 - الإرهاب الحالي الذي يحسب بكامله على العرب السنة وهم المتضررون الأساسيون منه، كيف نشأ ومن موله وخطط له ومن الذي قدم له الخرائط اللوجستية والتسليح بحيث أصبح أقوى من كل دول وجيوش المنطقة مجتمعة ما عدا إسرائيل.

الأسئلة كثيرة والأجوبة الشافية عليها غير متوفرة، والمنطقة العربية ذات الكثافة السنية ملعوب عليها وملعوب بها. نحن في حاجة إلى قيادات تاريخية قوية وحازمة، تشارك في الحرب ضد كل أنواع الإرهاب وليس الإرهاب المحسوب علينا فقط وإنما بما يشمل إرهاب الآخرين جميعهم.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب