من رحيق الفصحى

رُدِّي الْكَرَى لأَرَاكِ فِي أَحْلاَمِهِ

إِنْ كَانَ وَعْدُكِ لاَ يَفِي بِذِمَامِهِ

أوْ فابعثي قلبي إليَّ؛ فإنهُ

جَارَى هَوَاكِ، فَقَادَهُ بِزِمَامِهِ

قدْ كانَ خلفني لموعدِ ساعة ٍ

منْ يومهِ، فقضى مسيرة عامهِ

لمْ أدرِ: هلْ ثابتْ إليهِ أناتهُ

أَمْ لَمْ يَزَلْ فِي غَيِّهِ وَهُيَامِهِ

عَهْدِي بِهِ صَعْبَ الْقِيَادِ. فَمَا لَهُ

أَلْقَى يَداً لِلسِّلْمِ بَعْدَ غَرَامِهِ

خَدَعَتْهُ سَاحِرَة ُ الْعُيُونِ بِنَظْرَة ٍ

منها؛ فملكها عذارَ لجامهِ

يا، هلْ يعودُ إلى الجوانحِ بعدما

سَلَبَتْ فَتَاة ُالْحَيِّ ثِنْيَ لِجَامِهِ؟

تاللهِ، لوْ ملكتْ يدايَ جماحهُ

لَعَقَدْتُ قَائِمَ رَسْنِهِ بِخِدَامِهِ

يا لائمَ المشتاقِ في أطرابهِ

مَهْلاً، إِليْكَ؛ فَلَسْتَ مِنْ لُوَّامِهِ

أظننتَ لوعتهُ فكاهة َمازحٍ

فطفقتَ تعذلهُ على تهيامهِ؟

إنْ كنتَ تنكرُ شجوهُ، فانظرْ إلى

أَنْفَاسِهِ، وَدُمُوعِهِ، وَسَقَامِهِ

صبٌّ، برتهُ يدُ الضنى؛ حتى اختفى

عَنْ أَعْيُنِ الْعُوَّادِ غَيْرَ كَلاَمِهِ

نَطَقَتْ مَدَامِعُهُ بِسِرِّ ضَمِيرِهِ

وَذَكَتْ جَوَانِحُهُ بِنَارِ غَرَامِهِ

- محمود سامي البارودي