12-10-2014

هل ترد وزارة التجارة على مقارنات الأرخص خليجيًا؟

زادت وتيرة المقارنات مؤخرًا بأسعار الأصول والسلع على لسان بعض العاملين بنشاطات تجاريَّة في المملكة مع باقي دول الخليج ولعل آخر ما ظهر من هذه المقارنات كان على سوقي العقار والسيَّارات حيث ظهرت تصريحات تضع الأسعار بالمملكة الأرخص خليجيًّا وإذا كان ظاهر هذه المقارنة صحيحًا من حيث الأسعار والقيم إلا أنها لا تُعدُّ منطقية لأنّها لم تأخذ عوامل عديدة بعين الاعتبار لتكون هذه المقارنات منطقية وموضوعية كيلا تندرج تحت ميدأ التسويق العاطفي على المستهلك الذي قد يصنفه البعض بأنه يرقى إلى التضليل على المستهلك وإن ما تشتريه ليس فقط الأرخص بل لن يكون أقل من سعره الحالي مما يتطلب رأيًا من قبل وزارة التجارة حول مثل هذه المقارنات وهل تعدّها مخالفات تسويقية مضللة حتَّى لو كانت صادرة كدراسات لكنها لم تعتمد معايير صحيحة تخدم الأسواق المحليَّة والاقتصاد عمومًا.

وإذا ما نظرنا للسوق العقاري بداية فإنَّ المقارنات ليست بمستوى يرقى إلى اعتبارها صحيحة أو صحيَّة، فمساحة المملكة البالغة 2.2 مليوم كم مربع تعادل تقريبًا ستة أضعاف دول الخليج مجتمعة التي تفوق بقليل 400 الف كم مربع، بينما الكثافة السكانية تبلغ بالمملكة نحو 15 نسمة بالكم المربع فيما بدول الخليج تصل إلى 46 نسمة بالمتوسط أما تكاليف البناء فنحن الأقل لاعتبارات عديدة منها رخص الطاقة والرسوم الجمركية المنخفضة على السلع ورخص الأيدي العاملة مقارنة بباقي دول الخليج وأسعار بعض مواد البناء الرخيصة كالإسمنت والحديد المنتجة محليًّا بكميات وفيرة وكذلك عدم وجود رسوم على الأراضي البيضاء والكثير من العوامل التي بالتأكيد تجعل العقار بالمملكة الأرخص بالخليج لكن هل هو أرخص قياسًا بمستوى دخل المواطن فهذا المعيار هو الأهم بالمقارنة فمستويات الأسعار تضع قيمة العقار قياسًا بالدخل من بين الأعلى ليس بالمنطقة، بل حتَّى عالميًّا إِذْ تصل تكلفة العقار إلى نحو 15 ضعف الدخل السنوي للموظف خصوصًا بالمدن الكبرى وإلى ما يقارب 10 أضعاف دخله السنوي على مستوى المملكة بينما المعدلات المقبولة عالميًّا لا تتجاوز أربع أضعاف الدخل السنوي لمتوسط رواتب الموظفين فلو لم تكن الأسعار مرتفعة لما كانت نسب تملك السكن الملائم حسب تقرير صندوق النقد عند 36 بالمئة بينما 24 بالمئة فهي نسبة لتملك مساكن رديئة أيّ بمجموع 60 بالمئة لكن للمساكن الملائمة والرديئة مع بعض بينما تتجاوز نسب التملك بالخليج لمساكن ملائمة حاجز 60 بالمئة وتصل ببعض الدول لما يفوق 80 بالمئة ومن هذه المعطيات وغيرها تكون المقارنة بالأسعار ليست ذات جدوى أو قيمة، بل تأثيرها سلبي على الاقتصاد والمستهلك لو اعتبرت مقياسًا تبنى عليه قرارات الجهات الحكوميَّة المعنية أو المواطنين ولو لم يكن تملك السكن مشكلة لما اتخذت قرارات حكومية بتكلفة عالية وبرامج مختلفة لمعالجة المشكلة من بينها اعتماد مبلغ 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية وبذلك تسقط فرضية أن العقار في المملكة الأرخص بالخليج لانعدام عوامل المقارنة الصحية.

أما ما يخص سوق السيَّارات فالمملكة تستورد بما يفوق 75 مليار ريال سنويًّا بإجمالي يزيد عن 950 ألف مركبة وبذلك يعد السوق الأكبر خليجيًّا لكن بالمقابل فإنَّ الرسوم الجمركية منخفضة جدًا وتقف عند نحو 5 بالمئة، كما أنه لا يوجد رسوم عالية على إصدار اللوحات أو ضرائب كما يتبع بالعديد من دول العالم بخلاف أن دراسات عديدة أوضحت بأن مواصفات السيارات بدول الخليج أعلى من المملكة مما يبرر ارتفاع أسعارها بالخليج قياسًا بالمملكة مع العوامل الأخرى لديهم فيما ظهرت الكثير من الشكاوى على خدمات بعض الوكالات وتحركت وزارة التجارة والصناعة لمعالجة الظاهرة ونشر الكثير من الأخبار حول عقوبات طالت وكالات عديدة وصلت إلى حد إقفال بعض فروعها مؤقتًا حتَّى إن وزارة التجارة وخلال اجتماعاتها مع الشركات المصنعة الأم طلبت منهم فتح فروع تتبع مباشرة لها لتحسين الخدمات وخفض الأسعار، بل أنه بات مسموحًا التقدم بطلب رخص استيراد سيَّارات ومنذ فترة لكسر الاحتكار لكن بالمقابل يبقى أيْضًا المعيار هل هي رخيصة قياسًا بمتوسط الرواتب كون غالبية المواطنين موظفين فلو عدنا إلى أسعار السيَّارات قبل نحو 25 عامًا على الأقل سنجد أنها تعادل تقريبًا 40 بالمئة قياسًا بأسعار الوقت الحالي أيّ أنها ارتفعت عمليًا نحو 150 بالمئة وحتى لو كان مبرر الارتفاع تطوّر صناعة السيَّارات وإدخال تقنيات حديثة عليها لكن هبوط الدولار بنحو 50 بالمئة خلال نفس المدة يوضح أن القوة الشرائية للريال أيْضًا تأكلت لأنه مرتبط بالدولار بينما لم يرتفع راتب الموظف بنفس مستويات تضخم الأسعار، فالمقارنات سواء على العقار أو السيَّارات قد لا تكون الأخيرة التي نسمعها بأننا الأرخص خليجيًّا لكن بالمقابل هناك أيْضًا دراسة قام بها البنك الدولي مع وزارة الاقتصاد والتخطيط بالعام الماضي بينت بأن متوسط الرواتب للسعوديين هو الأقل خليجيًّا وحدد عند 6400 ريال، بينما المتوسط بالخليج كان 15200 ريال فلماذا لا يتم ذكر هذه المقارنة من قبل من يرون بالمقارنات داعمًا لتنشيط وتيرة حركتهم التجاريَّة ولماذا لا ينظروا إلى الدعم الحكومي الضخم للاقتصاد سواء بتكاليف الطاقة أو الأغذية أو البرامج الاجتماعيَّة والاعفاءات الجمركية وغيرها التي تفوق وفق بعض التقديرات 400 مليار ريال سنويًّا التي تهدف لخفض التكلفة على المواطن بينما يستفيد منها التاجر أكثر من الفرد بأضعاف بل تُعدُّ ربحًا مجانيًا له.

المقارنات ليست اختراعًا حديثًا لكنها تفقد قيمتها إذا اجتزأت وكانت تهدف للترويج والتسويق فقط وتتناسى أن حجم القروض للأفراد بلغ 334 مليار ريال منها 44 مليار ريال قروض سيَّارات أيّ أكثر من نصف قيمة السيَّارات المستوردة، كما أن الإقراض العقاري مازال مكلفًا ويقتطع نصف الدخل ويضع المقترض الموظف بموقف صعب من ناحية قدرته الإنفاقية على أساسيات حياته ومستلزمات أسرته وإذا كان مبدأ المقارنة سيأخذ مجالاً واسعًا من الطَّرح فالأفضل أن يَتمَّ مقارنة هامش الربحية الذي يحقِّقه التاجر بالمملكة مع أيّ تاجر سواء بدول الخليج أو غيرها وهل سيتمكن من تحقيق أرباح وتسارع بنموها لو اتجه بتجارته خارج المملكة؟

مقالات أخرى للكاتب