12-10-2014

النوبلي الجديد يسير في الضباب!

بعدما أعلنت الأكاديمية السويدية لجائزة نوبل للآداب اسم الفائز الجديد، الروائي الفرنسي باتريك موديانو، هبت الصحافة الغربية تستعرض سيرته الروائية، ونفضت المكتبات الأجنبية كتبه في المستودعات، لتصبح في واجهة المكتبات الغربية، لأن هذه الجائزة الأدبية الأهم في العالم، تمنح الفائز بها ضوءاً ساطعاً، ويكتشف أعماله كثير ممن لا يعرفه، بينما يعيد قراءته بعمق من سبق له قراءة بعض أعماله!

ردود الفعل العربية، في معظمها جاءت تسخر من الشاعر أدونيس الذي لم يزل اسمه حاضراً في قائمة المرشحين كل عام، دون أن يتنبه أحد إلى الروائية آسيا جبار، ربما لأنها مطروحة كروائية فرنسية أكثر من كونها تنتمي إلى الجزائر، وهو ما يعني أنها ستكون في خندق خمسة عشر كاتباً فرنسياً سبقوها إلى الجائزة، رغم أن ذلك لا يؤثّر في قرار لجنة الجائزة، فهي ليست جائزة عربية يتم توزيعها حسب البلدان، لا حسب قيمة الكتابة وعمقها!

تصفحت عديداً من الصحف العربية الصادرة غداة الإعلان عن الفائز، وما لفت انتباهي هو حوار بسيط وعميق وجارح مع هذا الروائي الكبير، نشرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية بعد صدور روايته الجديدة (عشب الليل)، وترجمت مقاطع من الحوار صحيفة السفير اللبنانية، ويتحدث فيه عن كتابته للرواية عموماً، وعن بذرة روايته الجديدة تلك، وهو ما يشير إلى أنه وجه مشابه لرؤية مواطنه النوبلي لو كليزيو، الذي شبه السرد الروائي بالحياكة، وطلب ممن يكتب أن يدع الخيط يزيغ، لكي يسير العمل بتلقائية، بينما موديانو يقول إنه حين يكتب يشبه سائقاً يقود في الضباب، آي لا يرى شيئاً في الأفق، هو يدع الكتابة تسير بانسياب، لكنه يدرج جيداً لافتات الطريق، ويدوّن كل ما يمر به من الحوانيت والأرصفة!

يقول في حديثه عن روايته (عشب الليل) وكيف نبتت أحداثها: ذات يوم، ذات نهار أحد كئيب، مثلما بدا لي، وجدت نفسي خلف محطة مونبارناس، وتحديداً في شارع أوديسا، إذ كانت هناك زاوية عرفت فيها، في نهاية الستينيات، فترة كئيبة من حياتي (وإن كنت قد أقفلت عليها). فترة من الوحدة، من الانعزال، من التهديد.

كنت أتجول تائهاً، من دون منزل، كنت في الثامنة عشرة من عمري، وكانت الغالبية في ذاك الشارع في الواحدة والعشرين من عمرها، أي كان بإمكانهم أن يوقفوني أينما يريدون، كنت أخاف ذلك، خوف مرعب. حين نكون شباناً فالعواطف تكبر من دون قياس. إيجادي ذلك الشارع مجدداً أعادني إلى هذا الإعياء. لم تتغير المباني، بل كانت أكثر وضوحاً فقط، كأنها نزفت.

مشيت لغاية فندق «أونيك» وأنا أشعر بأن توأماً ما لا يزال يعيش في هذا الجوار من دون أن يشيخ.

هكذا هو الفائز بنوبل للآداب، جاء من ذاكرة مؤلمة، كي يكتب عن الذاكرة ذاتها، تلك الذكريات التي أقفل عليها بطريقته الخاصة، وكما قلت ذات نص، أو ربما كتبه أحد سواي، إن التخلص من عبء الذاكرة يتمثّل في خلعها وكشفها، وتركها عارية في طريق عام.

مقالات أخرى للكاتب