14-10-2014

الأمن الخليجي: كي لا تتسوس السفن

هل مفهوم الأمن يعني انعدام التهديد من الخارج؟ أم مقاومة الهشاشة والاستعداد للتصدع والتفكك من الداخل؟..

سؤال مهم بناءً عليه تتحدد الأولويات وتفاصيل الإجراءات الحمائية؛ هل نحن نصارع عدواً من الخارج؛ أم ضعفاً في بنية المواطنة من الداخل؟..

العدو أن من الخارج يستعد له بحماية الحدود والفضاءات، ببناء القوة الدفاعية من الجيوش والمعدات ورفع قدرات الطاقات البشرية المدربة. أما ضعف بنية اللحمة من الداخل فتعالج بمنع مسببات عدم الاستقرار بين المواطنين نفسياً واقتصادياً, وبتقوية الشعور بالإنتماء.

كامرأة خليجية أدرك ما يعنيه مهرجان مثل «الدوخلة». أتمثل الأوطان في صورة سفن تتهادى في المحيطات وفي معابر التجارة, مهمتها تنمية الثراء في مواسم صفو الطقس لتوصل حمولتها إلى الواحات الداخلية.. أو تقاوم دوامات المياه وغدر القراصنة وخطر الأنواء, معتمدة على الله وقدرة قيادة ربابنتها. ولدينا مثل خليجي حكيم ولدته التجربة يقول «نوخذايين في بليمة.. دمروها». والنو خذة أو النو خدا هو الربان, والبلم وتصغيره البليمة هو اسم محلي لنوع من السفن في الخليج.

في السفينة سواء كانت بليمة أو تايتانك قدرة الربان وحكمته مهمة في سلامة كل من على متنها.. لو تسبب جاهل من ركابها بما يعرضها للغرق فهي ستغرق بكل من عليها رجالاً ونساء.

21 وطناً عربياً عايشت أنواء مواسم عواصف متواصلة وصراعات على موقع الربان، هشمت مؤخراً سواري خمس دول, ثم حين خرجت سفنها من اللجة إلى الشمس من جديد, اكتشفت أن خشب السفينة الهش تعيث به سوسة قاتلة أخرجتها المياه إلى السطح. وهي سوسة معدية تهدد كل ما يجاورها من السفن.

منطقة الخليج، التي بعد صراعات القبائل الغازية استمتعت بفترة مرضية جلبت التعايش وشبه الاستقرار منذ أعلنت كدول مستقلة في الستينات, وجدت أنها ليست بمعزل عن العواصف ولا عن نخر التسوس عبر التسيس.

أصبحت حال بعض المواطنين شكوى مستمرة من الشعور بإقصائية الاستهداف السياسي.. وابتلي الوطن والمجتمع بفرض حالة من الجفاف المجتمعي حتى أصبحت أهازيج السلام الوطني موضع تساؤل أهي حلال أم حرام !! واختلط العرف والتفسير المسيس بالثوابت، والتبس الحلال عنوة بتصنيفات الحرام المقصودة. الجفاف يأتي بالتسوس.

واحتفالاتنا بيوم الوطن تؤكد رفض كل مواطن طبيعي لإلباس الحلال شبهة الحرام وتهميش أمن الوطن أمام شعارات الحزبية والتنطع والتأدلج الإرهابي. أمن كل وطن بما في ذلك كل وطن عربي وخليجي مرتبط باستقرار أوضاع علاقاته الخارجية والداخلية.

المستجد الآن في الخليج هو وعينا بالجانب الثاني من قضية الأمن، وهو ضرورة تقوية الأمن ضد النخر من الداخل. وبديهي أنك لا تقامر وتضحي بتسرطن الجسد لأنك لا تؤمن بضرورة بتر العضو المصاب لأنه عزيز عليك.

تأثيرات التسوس عبر التسيس والتأجيج المستتر وصلت الخليج. وما اتخذته بعض دول المجلس من قرارات تحريم الأحزاب السياسية التي تقدم انتماء الأخوة الدينية أو المذهبية لتنقض مسؤولية المواطنة والانتماء للدولة, وتجريم المشاركة في ساحات القتال في الخارج تحت أي راية غير راية الوطن, قرار ربابنة يتمتعون بالحكمة. ولكن الحكماء يجدون أنفسهم في موقع صعب حين يكون القرار متعلقا بمدى الثقة بالمواطن ذاته.. ولا يحمي أمن الوطن بصدق إلا المواطن. ولاشك أن منح وثائق رسمية بالمواطنة لا تعني زرع الشعور بالانتماء.. بل فقط تمنع خطورة انتشار التسوس من مواطن يتألم إلى مواطن مهمته: حماية «الأمن».

مقالات أخرى للكاتب