17-10-2014

خارج المكان ..

عندما أعلنت جائزة نوبل للأدب غرة هذا الأسبوع وفاز بها الروائي الفرنسي باتريك موديانو، (وهي جائزة ننتظر إعلانها كل عام بشوق كبير وبخاصة فرعيها في السلام والأدب) كنا آملين أن تكافئ هذا العام الشاعر أدونيس أو حسب تطلعاتي الشخصية الروائية رجاء عالم، لكنها خيبت توقعاتنا كعرب وذهبت إلى مبدع فرنسي تكلم في أدبه عما عاناه اليهود من قمع وتشريد، وليس مجال حديثي في هذا المقال لأشكك في نزاهة الجائزة لكن سأتساءل قبل أن آخذك أيها القارئ خارج المكان إلى المستشرق العالمي العربي إدوارد سعيد، لماذا غيب درويش رحمه الله في حياته عن هذه الجائزة التي كان استحقها بجدارة قياسا بإبداعه الجوهري أو الشكلي وقضيته العادلة التي حملها إلى العالمين حيثما صدح بها على منابر عالمية وحيث ترجمت إلى لغات العالم؟ قياسا ببعض من نالوها ولم يكونوا على مستوى كبير من الشهرة ألم يكن محمد الثبيتي أيضا جديرا بها؟ هذا الشاعر البدوي الذي غنى للصحراء فسقته قهوتها ورقصت قصائده على أنغام ربابتها!

سأذهب إلى خارج المكان وهي السيرة الذاتية للمستشرق الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد، والتي كتبها عن مشواره في الحياة وقد عاش في لغة وكتب بلغة أخرى مشبها نفسه بالروائي البولوني جوزف كونراد مع فارق بينهما أن الفجوة ما بين العربية والإنجليزية أكثر اتساعا منها بين البولونية والإنكليزية، فقد كانت الكتابة لدى إدوارد فعل استذكار لطفولة عاشها بين القدس والقاهرة، وهي إلى ذلك فعل نسيان، أو هي عملية استبدال اللغة القديمة باللغة الجديدة حيث هاجر الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة. حاول جاهدا كاتبنا تجسير الهوة من سوء التفاهم التي تفصل بين عالميه الاثنين، بيئته الأصلية وعالم تربيته لأنه آمن كمثقف أن عليه السعي وحده دون سواه في هذا الموضوع مقاوما نسيان ماضيه ومتحديا كل أولئك أيضا الذين شككوا في أصوله الفلسطينية في عملية اغتيال رمزية لجماعة بصيغة فرد، نافيا في الوقت نفسه الاعتقاد السائد الذي يقول بأن الانتماء العربي يقضي بإقامة علاقة متنافرة مع الغرب، متجاوزا صعوبة الكتابة الصريحة عن الذات والتي تعد نادرة في تراثنا، لكن إصابة إدوارد بمرض السرطان في 1994 هي من شجعته مع من حوله لكتابة مذكراته التي ترجمها المبدع فواز طرابلسي الذي خرق قاعدة أن المترجم وحيد دائما مع نصه، فقد زامن إدوارد وأصرّ أن يأخذ ذات المصطلحات العربية التي احتفظت بها ذاكرته.

في كتابه كان وفيا لذكرياته وتجاربه ولم يكن من واجبه كما قال إن يكون لطيفا، والذي يعترف أنه لم يخرج من شرنقة أبيه إلا بعد العشرين عاما، فقد كان يتحكم بوقته دقيقة بدقيقة حتى لم يكد يترك له فسحات انفراج إلا نادرا، وقد كانت لإدوارد سعيد نصيبا من مكتبة الكتب والقرطاسية التي أدارها والده بالقاهرة، حيث كان قارئا نهما ولديه سعة أفق وخيال عند القراءة.

لعل الظروف التي عاشها إدوارد منذ نعومة أظفاره مولودا بالناصرة ثم متنقلا بين القاهرة والقدس ثم مغادرا الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة والفترة العصيبة التي مر بها العالم العربي حيث لم تكن الشعوب العربية تعي ما يحدث حولها من الصراعات العالمية ثم ضياع فلسطين في نهاية المطاف وأحداث إصابة إدوارد سعيد بالمرض الخبيث، كل هذا يجعل من رائعته «خارج المكان» إلى جهوده الأخرى في التحليلات السياسية والاستشراق كتب نعتز بها كعرب لأديب ومثقف قدم فكره للعالم في لغة عالمية كانت حرية أن تلج بإبداعه لنيل نوبل التي سبقها الموت إليه.

هنيئا فرنسا التي تراقصت الأنوار في سمائها وانسابت بين أصابع الغيم فرحا بابنها الفائز بجائزة نوبل للأدب.

باتريك موديانو الذي ترجم أعماله «عشب الليالي» و «الأفق» إلى العربية المغربي المراكشي توفيق سخان.

من آخر البحر

لا أريد أن أغرب كالشمس.. أو أتلاشى كالشفق

رحمي تلك السماء التي لا أغرب منها أبدا

أنا من صلصالها

ونارها

حورية الأفق التي تتشكل من زغب الغيم

وقطرات الندى

ألوح من بعيد

للكائنات التي ترمقني بنظراتها

للشفق الذي يلون شفتي

للمطر الذي يقطر من عيني

ألوح للمراكب التي ضلت دربها

وللبحارة في كهف الليل اللجيّ

ثم عندما أمتلئ بي

أهطل كغيمة أتوحد مع المحيط

maysoonabubaker@yahoo.com

Mayabubaker@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب