قصة قصيرة

شِماغ فرحان

أكمل معظم الطلاب وضوءهم وانتظموا جلوسا في المصلى وقف المدير أمامهم بملامح تحمل تعابير الحزم فعم الهدوء المكان وتحولت الأحاديث المتبادلة بينهم إلى خشوع وسكينة كانت معظم الرؤوس مطأطئة، أما المرفوعة منها فتنظر متسائلة عن السبب؟!

كل الرؤوس ارتفعت فجأة عندما قال المدير ـ أنت ـ مشيراً بيده «، فأصبحت الجهة التي تشير إليها يد المدير قِبلة لجميع النظرات تحول الخشوع المزيف إلى فضول لمعرفة من المقصود. ولماذا؟.

ـ أنت.. أنت ـ كرر ذلك المدير ...

أنا؟» نطق بها ثلاثة طلاب في وقت واحد.

«نعم أنت»

ما زال الطلاب الثلاثة في حيرة من أمرهم من المقصود؟ وكل واحد منهم يتمنى بأن لا يكون هو المقصود.

«الطالب الذي لا يرتدي شماغ»ــ

أخيراً تنفس اثنان الصعداء أما الثالث كان هو فرحان طالب في الصف الأول الثانوي.. لم يمض على دخوله تلك المدرسة أكثر من أسبوع كان حينها في وضع لا يحسد عليه فلو أُطفئت أجهزة التكييف لسمع كل من في المصلى نبضات قلبه. لم يسبق أن مر بموقف أكثر رهبة أو إحراجاً من هذا الموقف.. وقف مكشوف الرأس والمسافة الفاصلة بين الطرف السفلي لثوبه وبين قدماه توحي بالتزامه الديني، لكن المسافة الفاصلة بين طرف الكم وأطراف أصابع يده توحي بشيء آخر

«أين شماغك؟»

«شششماغي في الفصل»

«اذهب واحضره»

نزل ذلك الأمر كالصاعقة عليه ظل ساكنا وعيناه تنظران إلى المدير تحمل تعابير الرجاء بأن يأمره بشيء أخر.

«هيا اذهب»

وبينما كان يشق الصفوف مغادراً المصلى كان يتجول بعينيه بين الطلاب لم يكن ينظر إلى وجوههم التي تحمل ملامحها الشفقة عليه بل كان ينظر إلى الأشمغة الجديدة الزاهية الألوان على رؤوسهم ..

وصل إلى نهاية المصلى وقد اختلطت مشاعر الرهبة والحرج بشيء من الحزن اختلطت بداخله رغبة في البكاء. فمنذ دخوله المدرسة وهو يتحرج من السير أمام جمع من الطلاب بسبب ملابسه القديمة المقطعة. وثوبه الوحيد الذي يعود لأحد أخوانه الأكبر سنا منه وشماغه القديم القصير والأسوأ من ذلك إنه مُقطعاً من أحد جوانبه.حيث كان يضعه على رأسه مطويا أثناء الطابور الصباحي ويخلعه حينما يدخل الفصل. لكن الوضع مختلف الان. .

فالمدير والطلاب ينتظرونه ليعود إلى المصلى مُرتدياً شِماغه توقف قليلاً ثم اخذ شِماغه من درج الطاولة فتحه وضعه على رأسه وقبل أن يجر خطواته عائداً لاحظ بأن نافذة الفصل مفتوحة.

نظر إليها ملياً واتخذ قراره

«سأهرب من النافذة»

وقبل أن يصل إليها خلع شماغه بسرعة وعلقه على حافة السبورة وكأنه بذلك يخلع تهمة التصق به من غير ذنب اقترفه ليكون ذلك آخر يوم دراسي في حياة فرحان.

- يحيى أحمد أبو طالب