19-10-2014

الانقلاب

* الانقلاب على المسلّمات التي ورثناها من التراث باب محفوف بالمخاطر بلا شك، ونحن أمة يصل تعظيم التراث عندنا حدّ التقديس وربما نسفنا أمامه أي منجز عصري حديث ذي قيمة، ولا يختلف أحد أن الأمة المبتورة من تراثها، أو التي تسعى إلى تجاهله يبدو فيها الانتماء إلى الكيان أقل من غيرها من الأمم، وليس هناك أمة إلا ولديها تراث تعتز به وتلوذ، أو تستدعيه الذاكرة عندما تشعر بالانهزام لأي سبب من الأسباب، وقد يكون بعضه قائم على الخرافة وليس له أساس من الصحة.

* مع هذا كله، وصولنا إلى حد الاستسلام للموروث أضر بنا كثيراً، ولو أخذنا بعض الأمثال، والحكم، والشواهد الشعرية التي نسوقها لتأطير سلوكنا في الحياة فإننا دائماً نسوقها من غير أن نلتفت إلى قائلها، أو المناسبة والعصر التي سيقت فيه، وهنا الإشكال حينما نمرر بعض الأمثال والشواهد وتطغى على سلوكنا وكأنها من المسلمات، وإن كان بعضها في الحقيقة له نظير في أدبيات وثقافات الأمم والحضارات الأخرى، إذ إن بعضها يعبر عن تجربة إنسانية عامة، لا تنتمي إلى تجربة فرد، أو ثقافة أمة من الأمم، مع أن الأمثال التي تعبّر عن تجربة إنسانية هي في الحقيقة جديرة بالتمثّل والاقتداء، وهي تندرج تحت ما يعرف بالأمثال العالمية.

* أخطر أنواع الحكم والأمثال على حياة الشعوب هي تلك التي قيلت ورصدت إما في عصور الضعف والانحدار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في التاريخ العربي، أو كانت معبّرة عن حالات الانتماء القبلي، والمناطقي، وفي بعض سياقاتها عن حياة بعض الصعاليك المنبوذة في التراث العربي، وأحياناً تنشأ في مواطن النشوة والانتصار والسيادة، وقد تُقال في حال الهزيمة الجماعية والفردية. ولهذا من الصعوبة أن نتخذها أو نكيّفها للحياة في جميع أوجهها.

* ليس هناك مثل أو حكمة إلا وله مثل، أو حكمة أخرى تناقضها تماماً في المعنى، لأنه بحسب الأحوال تُقال الأمثال، إذن التجارب جديرة أن تُساق لتعطي المتلقي مدلولاً على كلا السلوكين، أو الحالتين، وبخاصة ما يتم إدراجه ووضعه في المناهج التعليمية والتربوية حتى لا نسعى إلى تضليلهم من خلال غرس قيم خاطئة، هذا من ناحية.

* من ناحية أخرى، دائماً أتساءل لماذا توقف الإنشاء لمثل تلك الحكم والأمثال. من خلال تجربتي الشخصية مع التراث العربي الذي رصد خلال القرون الثلاثة الأخيرة الماضية، وبالذات الفصيح لم أقف على شيء بصورة تحاكي ما أثّر عن أسلافنا القدامى، عدا بعض الأقوال المتناثرة في أدبنا الشعبي، أو مما ترجم من آثار الفلاسفة الغربيين. قد يكون هذا النضوب في العطاء في هذا الباب انتهاج الناس، أو المجتمع، وربما العالم بأكمله مناهجَ أخرى تؤطر حياتهم، حيث أصبحت المناهج العلمية القائمة على التجربة في العلم الحديث هي المقياس في كل شيء، ولهذا لم يصبح لسواها من القيم أي اعتبار، وربما أن تجارب البشر في الحياة مكررة، وبالتالي أصبح مثل ذلك الجمود.

dr.alawees.m@gmail.com

dr_alawees@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب