19-10-2014

غياب الصوت المهني الذي يمثله المجتمع المدني

المرة الأولى التي كتبت فيها عن هذا الموضوع كانت قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، وقبلها وبعدها كتب آخرون. لكن يبدو أننا مضطرون لتكرار بعض الأفكار من وقت لآخر، طالما ما زلنا نعتقد بأن ما تحقق بشأنها ميدانياً لا يستحق الذكر. أكتب عن مؤسسات المجتمع المدني في خطها العريض، وأشرح أهميتها من الجانب المهني ذي العلاقة باقتصاديات القطاع الخاص.

عند الحديث عن الخصخصة والسعودة وعن القطاع الخاص يجدر بنا استقراء التجارب المتقدمة؛ فالقضية ليست مجرد نقل ملكية القطاع العام إلى القطاع الخاص، أو تمكين القطاع الخاص، بل إن ذلك يجب أن يضمن استمرارية تقديم الخدمة بشكل متميز، ويضمن حقوق العاملين وحقوق المستهلكين على السواء، فكيف يحدث ذلك؟

الحكومة مسؤولة عن التشريع التنظيمي للقطاع الخاص وعن تصريحات العمل للقطاع الخاص، وغير ذلك من الأدوار الإشرافية والرقابية، بينما القطاع الخاص سيكون اهتمامه الرئيسي منصباً على زيادة عائداته وأرباحه، وبدرجة ثانية على الوفاء بالشروط الرسمية الحكومية. من هنا نجد أن صوت العاملين في مؤسسات القطاعَيْن الخاص والعام ضعيف، وقد لا يجد من يرعاه بشكل مناسب أمام تضارب المصالح، سواء الحكومية أو الخاصة، مع حقوق أولئك العاملين. والمستهلك كذلك قد يجد نفسه في النهاية أسير مصلحتين، حكومية وخاصة، تتفقان على جني أكبر من الأرباح التي تأتي على حسابه. وفي أحسن الأحوال قد يجد نفسه بين مطرقة جهة حكومية ذات آليات رقابية وتقييمية متواضعة وسندان قطاع خاص، جُل تركيزه تحقيق الأرباح الفاحشة التي لأجلها قد يحدث حتى التحايل على الرقابة الحكومية. الأمر هنا يتطلب وجود جهة ثالثة تضبط هذه العلاقة أو تجيرها لما فيه صالح المستهلك وصالح العامل وصالح التطوير المهني. وكلاهما، أي المستهلك والمهني، يهتم بالحفاظ على مبدأ العدالة ومبادئ المهنة المعنية. هذه الجهة ستتمثل حتماً في مؤسسات المجتمع المدني التي تمثلها الهيئات والجمعيات المستقلة عن القطاعين الحكومي والخاص، وتحديداً الهيئات والتنظيمات الأهلية والمهنية.

للإيضاح أشير إلى ثلاثة أضلاع رئيسية، يجب وجودها؛ ليشكل التفاعل والعلاقة الرقابية التي تشكلها كل منها على الأخرى الضابط الديناميكي الذي يسهم في حماية الحقوق المهنية وحقوق المستهلك وحقوق المستثمر كذلك.

الضلع الأول: القطاع الحكومي، ويتولى وضع النظم والتصريح والإشراف الإداري أو الفني على أعمال القطاع الخاص بشكل عام.

الضلع الثاني: القطاع الخاص، ويتولى تقديم الخدمات والسلع، سواء الخدماتية أو التجارية بمختلف أنواعها، وفق آلية ربحية بالدرجة الأساسية.

الضلع الثالث: قطاع المنظمات والهيئات الأهلية المهنية والاجتماعية والمدنية المختلفة، أو ما يعرف بمؤسسات المجتمع المدني. هذا القطاع بجمعياته واتحاداته ونقاباته يشكل الحلقة التي تراقب حقوق العاملين في القطاع الأهلي بمؤسساته الخاصة، وكذلك حقوق المستفيد النهائي من منتجات القطاع الخاص والحكومي كذلك. والأهم من ذلك تشكل الصوت الواعي المتمكن الذي يمثل العاملين في المهنة، أياً كانت المهنة.

محلياً، يعتبر الضلع الثالث هو الغائب الأكبر رغم ضرورته لضبط العلاقة بين الأضلاع الأخرى، وحفظ التوازن في العملية التنموية، التي نخشى تحولها إلى مجرد تجربة مادية خالية من عناصرها الإنسانية، وينقصها المرجعية المهنية العلمية المقنعة. بغياب الضلع الثالث (مؤسسات المجتمع المدني المهنية والمجتمعية) يغيب الصوت المهني ودوره الفاعل الذي تمثله الجمعيات والاتحادات الأهلية المهنية والعمالية المتخصصة، التي تساهم في تنظيم المهن، وتشرف على تطور المهن، وتحافظ على حقوق العاملين والمستفيدين في مختلف المهن والتخصصات.

malkhazim@hotmail.com

لمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm

مقالات أخرى للكاتب