من رجالات سدير وأحد أعلام الوطن.. (الشيخ/ عبدالعزيز بن محمد العتيقي) -عضو تسليم مدينة جدة.. وأحد أعضاء المجلس الشوري بالحجاز-

قال عنه الشيخ حمد الجاسر في مقال له بمجلة العرب «ج 9 ـ 10 س34 الربيعان سنة 1420 هـ»: هو عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز بن محمد بن سليمان العتيقي. من أسرة العتيقي إحدى الأسر العلمية في نجد..، ولد الشيخ عبدالعزيز سنة 1300هـ، بالمجمعة وتربى في بيت علم ودين. حيث جده لأمه هو الشيخ إبراهيم محمد العتيقي قاضي المجمعة وبقية سدير، تعلم مبادئ الدين على يد جده إبراهيم وعلماء بلده، وكان تواقاً إلى طلب العلم والاستزادة منه، فرحل من المجمعة إلى العراق وصادف أن تعرف في البصرة على السيد محمد رشيد رضا من أقطاب الحركة الإصلاحية وصاحب «المنار»، واتفق معه على الدراسة في مصر، وبقي هناك لمدة سنتين من 1330هـ حتى 1332هـ، وتتلمذ على يد السيد رشيد رضا وغيره مثل أحمد أفندي الديك والسيد طه والدكتور محمد صدقي، وأثناء الحرب العالمية الأولى توقفت الدراسة. وكان السيد رشيد رضا أراد أن يرسل رسائل إلى الزعماء العرب، فكلف الشيخ عبدالعزيز العتيقي بتوصيل رسالة إلى السلطان عبدالعزيز آل سعود حاكم نجد، وكلف السيد محب الدين الخطيب برسالة مماثلة إلى السيد طالب النقيب حاكم البصرة، وانتقل الاثنان إلى البصرة بعد رحلة شاقة وضعا خلالها تحت الإقامة الجبرية فترة من الزمن، وكانا يتراسلا ن مع السيد رشيد رضا بـ(الشفرة) لإخطاره بتطورات الأحداث أثناء احتلال البصرة من قبل الإنجليز.

ثم انتقل الشيخ عبدالعزيز بعد ذلك للعمل بين الأحساء والكويت، حيث انتقل قسم من عائلته، وفي تلك الفترة قام بزيارة البحرين في شعبان 1334هـ، ونزل ضيفاً على السيد علي بن إبراهيم الزياني -من أثرياء البحرين- وكان يريد أن ينشيء مدرسة هي أول مدرسة في البحرين، وكلف الشيخ العتيقي بكتابة النظام الأساسي للمدرسة والإشراف عليها، فقام بذلك وأشرف على بنائها، ثم انتقل إلى الكويت ثم المجمعة لزيارة والدته، وتولى الشيخ حافظ وهبة إدارة المدرسة في «المحرق»، وبعدها افتتحت مدرسة ثانية في المنامة، وكان أن مُنِع السيد حافظ وهبة من دخول البحرين سنة 1339هـ لأسباب سياسية بعد قضاء إجازته في الكويت، فتولى الشيخ العتيقي الإشراف على «معارف البحرين» مدة أربع سنوات من 1339هـ حتى 1342هـ. وحيث إن مدرسة البحرين هي أول مدرسة تنشأ في البحرين على النظام العصري، فإن الشيخ عبدالعزيز يعد أحد رواد التعليم الحديث في منطقة الخليج.

بعد ذلك ترك البحرين وتنقل في بلدان الشرق الأقصى حيث تفرغ للدعوة السلفية والتعليم، يتنقل بين الهند والملايو وإندونيسيا، واستقر فترة من الزمن في جزيرة (فلفلان) -بنانغ- حيث أشرف على إدارة مدرسة أهلية عربية بناءً على طلب الشيخ محمد الحساوي صاحب المدرسة، واتصل مع الشيخ أحمد السوركَتِّي -من زعماء الجالية العربية في إندونيسيا- فكان يسهل له التنقل بين الجزر لنشر الدعوة والتصدي لافتراءات المفترين على الحركة السلفية، كما قام بالدعوة في الهند من أجل التقريب بين المسلمين وتوضيح مبادئ الدعوة السلفية، وأنفق خلال هذه الرحلات كل ما يملك من أموال، واتصل بكثير من زعمائها أمثال الزعيم غاندي وأبي الكلام أزاد وشوكت علي والشيخ سليمان الندوي وحبيب الرحمن الشيراوي وغيرهم، وساعده في ذلك زملاؤه من تلاميذ السيد رشيد رضا الذين انتشروا في الأقطار، وبالتالي فإن أفكار الشيخ العتيقي تعد مزيجاً من العقيدة السلفية صيغت بأسلوب إصلاحي.

بعد ذلك انتقل إلى الحجاز عند افتتاحها من قبل الملك عبدالعزيز، وفي يوم 23 جمادى الآخرة 1344 هـ يوم المبايعة للملك عبدالعزيز حاكماً للحجاز بمكة المكرمة، ألقى كلمة مختصرة أمامه عند البيت الحرام قال فيها: (الناس على دين ملوكهم، أما وقد أعطانا الله هذا الملك الصالح فعلينا أن نكون معه دعاة إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- والمحافظة على شعائر الإسلام حتى نسترد ما كان لنا من مجد عظيم وذكر حسن.

ثم عمل مساعداً للأمير فيصل بن عبدالعزيز نائب الملك بمكة المكرمة والحجاز ذلك الوقت، ونائباً له كما كان عضواً في المجلس الشوري للهيئة التأسيسية لتنظيم أسس حكم الحجاز التي أسسها الملك عبدالعزيز في ذلك الوقت. وللشيخ عبدالعزيز مقالات نشرت في جريدة «أم القرى» في الفترة ما بين ربيع الآخر سنة 1344هـ حتى رمضان 1344هـ. انتهى كلام الشيخ حمد الجاسر.

وشارك العتيقي في لجنة تسليم جدة للملك عبدالعزيز من قبل الشريف على بن الحسين، وفي تنفيذ اتفاقية التسليم سنة 1344هـ، وكانت اللجنة مكونة من الشيخ عبدالعزيز العتيقي وكل من يوسف ياسين، وخالد الحكيم، وحسن وقفي. كما جاء في كتاب ماضي الحجاز وحاضره للأستاذ حسين محمد نصيف الصادر عام 1349هـ.

افتتح بعد ذلك مدرسة في بيته بالمجمعة عام 1350هـ وهو من أكبر بيوتها (وقد استقر فيه الملك عبدالعزيز في إحدى زياراته للمجمعة..) وجعل الدراسة فيها على النظام العصري واستمرت بضع سنوات.. وممن درس في هذه المدرسة الشيخ إبراهيم بن محمد الحجي وكيل وزارة المعارف سابقاً كما ذكر هو في محاضرة له بالمجمعة كنت أحد حضورها. ثم أُذِن له بالسفر إلى الكويت حيث تقيم مجموعة من أسرته، فانتقل إليها سنة 1358هـ (1937م وأشرف على «المدرسة القبلية» حتى 1369هـ (1949م)، ثم قررت الحكومة فتح مدرسة «الفحيحيل» وهي أول مدرسة خارج مدينة الكويت فأشرف عليها كذلك وبقي فيها حتى سنة 1376هـ (1956م) وكان ابنه الأستاذ محمد العتيقي مديراً للمدرسة حتى سنة 1385هـ (1965م)، وقد سمّيت هذه المدرسة في منطقة «الصليبيخات» باسمه ولا تزال.

وفاته:

انتقل إلى رحمة الله بعد عمر مديد أمضاه في الدعوة إلى الله والتعليم في اليوم السادس من ذي الحجة سنة 1389هـ (28-3-1966م) وله من الأبناء محمد وموضي ونورة وأمية.

تسجل الشيخة مي بنت محمد الخليفة من الأسرة الحاكمة في البحرين في كتابها القيم مائة عام من التعليم النظامي في البحرين - السنوات الأولى للتأسيس وتفرد الصفحات من 205 إلى 209 في الحديث عن هذا الرجل الذي طور التعليم في البحرين، حيث أخذت تشيد بالعتيقي الذي استلم التعليم بعد الشيخ حافظ وهبة وتقول إنه طور التعليم وأخذ به من الطريقة الكلاسيكية إلى النظم التي تواكب الحياة الحديثة لتساعد هؤلاء الطلبة بعد تخرجهم للعمل في الحياة، وتقول إن في المراسلات الخاصة بالتعليم نلاحظ أن الشيخ عبدالعزيز العتيقي لم يكن راضياً عن طريقة سلفه حافظ وهبة في التعليم والإدارة ويصف نظامه بأنه غير منتج وليس بجار على النظام العصري.

تقول الشيخة مي: انتقل الشيخ العتيقي للعمل بين الأحساء والكويت بعد أن أطلق الإنكليز سراحه من المعتقل في البصرة، وفي تلك الفترة قام بزيارة البحرين في شعبان (1334 - 915)، ونزل ضيفا على علي بن إبراهيم الزياني، وكان الشيخ عبدالعزيز يريد آنذاك أن ينشئ مدرسة في البحرين.. وبالفعل كلف الشيخ العتيقي بكتابة النظام الأساسي للمدرسة والإشراف عليها فقام بذلك وأشرف أيضاً على بنائها ثم انتقل إلى الكويت والمجمعة لزيارة والدته.

وتولى حافظ وهبة إدارة المدرسة في المحرق وبعدها فتحت مدرسة ثانية في المنامة وكان أن منع حافظ وهبة من دخول البحرين سنة 1339هـ لأسباب سياسية بعد قضاء إجازته في الكويت فتولى الشيخ العتيقي الإشراف على معارف البحرين لمدة أربع سنوات من 1339هـ حتى 1342هـ وظل العتيقي يعمل بكل جد وإخلاص ليبث المعرفة والعلم والثقافة الحديثة. وبعد أن أينع ثمره شد الرحال إلى شرق آسيا، إلى ماليزيا وإندونيسيا أسوة بعبدالعزيز الرشيد ومحمود شوقي الأيوبي وغيرهما، ومن سنغافورة يرسل رسالة إلى الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة في سنة 1334هـ يقول فيها التالي: نص الرسالة التي أوردتها الشيخة مي في كتابها:

(بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة الأجل الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة.. المحترم.. دام محروساً بعد إهداء السلام وأداء واجب الاحترام أعرض على حضرتكم بأني لم أقطع المكاتبة عنكم إلا لأني لم أعرف المقرر حيث أني قد عزمت على الإقامة في فلفلان التابع إلى سنغافورة قدر شهرين من تاريخه بادرت إلى تحرير هذه العريضة للاستفسار عن صحة أحوالكم جميعاً. أما هذه البلدة التي أنا فيها فهي جنة من جنات الدنيا، وماؤها من الجبال التي تنزل عليها الأمطار في أكثر الأيام على طول السنة، وأرضها جنات متصل بعضها ببعض من السفح والسهل إلى قمم الجبال وشوارعها وبيوتها مضاءة بالكهرباء ومبنية على أحدث طرز.. تحف بها الأشجار وتتخللها الأنهار وهواؤها من أعجب الأهوية وأصحها، وفيها بعض العرب الساكنين وقد أسسوا فيها مدرسة عربية من السنة الخامسة والثلاثين وهي سائرة على أحسن نظام إلا أنه ينقصها وجود المعلمين الأكفاء الذين يكفون لإدارتها وقد طلبوا مني أن أكون مديراً لها وحيث أني لا أنوي الإقامة لم أقبل وقد تبرعت لها بدرسين يومياً من استقامتي هنا وعزمي شهرين على الإقامة في جزيرة سطا ثم جلوه هذا مالزم وسلامي على العيال كافة ومن سأل عنا ودمتم محروسين.

ذي الحجة سنة 1342هـ..

المخلص..

عبدالعزيز بن محمد العتيقي).

أخيراً تقول الشيخة مي الخليفة: فهذا هو الشيخ المفكر الذي سبق زمانه عبدالعزيز بن محمد العتيقي الذي كان يرنو إلى أن يكون مثل أقرانه الذين تعامل معهم محب الدين الخطيب ورشيد رضا نوري، والدملوجي وغيرهم كثيرون، كان يطمح أن يجعل الكويت تسابق الزمن لكن الزمن لم يطعه ولهذا أقصي في مدرسة في الفحيحيل عندما كان الإنكليز في الكويت وكانت لهم اليد الطولى وهذا في كل إمارات الخليج، هذا الرجل الكبير الذي لم يلق عليه الضوء والذي عاش حتى قارب التسعين من عمره.

لقد كان هناك في الكويت الكثيرون الذين مجدوا وأعطيت لهم بطولات وهم ليسوا في مستوى العتيقي.. هناك أشخاص رسمت أسماؤهم بل وضعت أسماؤهم على مدارس ومعارض ومجمعات وهم لم يبلغوا شأن العتيقي الرجل الذي عاش في فترة لا يوجد فيها لا سيارات ولا طائرات ما عدا السفن التجارية والجمل الذي يحمله في الصحراء من مكان إلى آخر وهو يدافع عن هذه الأمة بفكره وبعد نظره.. هذا الرجل الذي تقوقع في آخر عمره من الحياة.

كل ما هنالك أنه ترك لنا مذكرات وعندما كتب هذه المذكرات لم يفكر غيره أن يكتب كلمة واحدة عن هذا الرجل الذي تحدث عنه الغرب في كتبهم ومذكراتهم والذي كانت بريطانيا تراقبه مع زميله محب الدين الخطيب منذ خروجهما من مصر من السويس حتى وصولهما إلى عدن ومن ثم توجها إلى الهند لمقابلة العرب هناك وبعد توجههما إلى الخليج اشتغلت البرقيات البريطانية لتراقب السفينة التي كانا يركبانها ومن ثم يركب ضابط بريطاني عندما وصلت السفينة إلى الكويت ويفتشهما ويلقي القبض عليهما -العتيقي والخطيب- حيث اعتقلا في البصرة ولم يتم إطلاق سراحهما إلا بتدخل سليمان العدساني الذي كاتب الملك عبدالعزيز ورشيد رضا في مصر. انتهى،،

وأخيراً يقول الدكتور عبدالرحمن الشبيلي، في محاضرته بعنوان: سياسيون حول الملك عبدالعزيز -التي ألقاها بمدينة المجمعة مساء يوم الأحد 23-11-1434هـ في قاعة إدارة التربية والتعليم بالمحافظة؛ بحضور حشد من كبار المسؤولين وجمهور غفير.. يقول في محاضرته المطبوعة في الصفحة 26: ومن الشخصيات التي تجدر الإشارة إلى دورها السياسي الشيخ/ عبدالعزيز بن محمد العتيقي، من الأسرة المعروفة بالمجمعة.. فقد كان ضمن ثلاثة مستشارين كلفوا بمساندة الأمير فيصل بن عبدالعزيز عند تعيينه نائباً للملك في الحجاز.. وقد أصبح عضواً في المجلس الأهلي ثم المجلس الشوري.. كما عمل مساعداً ليوسف ياسين في مديرية المطبوعات عند تأسيسها.

وبعد.. فهذه نبذة عن هذه الشخصية الفريدة أحببت توثيقها في صفحة الوراق بهذه الصحيفة العريقة صحيفة الجزيرة ليطلع الناس على سيرة هذا الرجل السابق لزمنه وأعماله الجبارة على مستوى دول الخليج العربي، والمكانة الرفيعة التي بلغها.. ومن هنا فإنني أقول أليس للمجمعة أن تفخر بأن تكون أنجبت مثل هؤلاء الرجال.. وأليس من حق هذه الشخصية الفذة من أبناء هذه المدينة أن يكرم بوضع اسمه على أحد معالمها، أو يسمى أحد الطرق الهامة بالمجمعة باسمه. إن ذلك والله من حقه، بل وأقل من حقه.

حمود بن عبدالعزيز المزيني - المجمعة