بطاقة الخبرة

مها السمنان

تعج الصحف بأخبار المتقاعدين الذين أمضوا قرابة أكثر من نصف أعمارهم في الوظيفة، وانتهى بهم المطاف الى محطة التقاعد، محملين بخبرة لمع بريقها بعد طول زمن مارس فيها صنوف التعلم وارتقى على عتبات سلالمه وصرفت عليه مبالغ هائلة من أجل تدريبه وتطويره حتى نبغ في مجاله، فكل عام يتزايد أعداد المتقاعدين عما قبله بنسبة تصل الى 6%، (ومما يحتم تدارس ذلك الملف المؤشرات الإحصائية التي تؤكد أن أعداد المتقاعدين ستبلغ في منطقة الخليج العربي في العام 2025م نحو 25% من السكان، ومع تلك النسبة العالية تبدو مجتمعاتنا مهددة بكثير من الظواهر بل والأمراض المجتمعية والصحية، إذا بقي مستقبل المتقاعدين مرهونا بالمقاهي أو بجلسات قتل الوقت بلا فائدة.) أ.د.ناصر بن سليمان العمر باعتقادي ان وصول المتقاعد لتلك المحطة وحسم أمره بأخذ كامل مستحقاته بعد جهد جهيد لصقله وإيصاله لتلك المنزلة، هو بحد ذاته هدر لتلك الخبرة وإهدار لما صرف من أجلها، لذلك من الأولى الاستفادة منها واعتبارها خطوة جديدة ومرحلة متقدمة بكل ماتحويه من كنوز، فكل من نجح في عمله يجب استثماره والاستفادة من الشهد الذي نتج عن بناء تلك الخلية سنوات عدة، فلو أخذنا ذلك الشهد وتم استثماره الاستثمار الحقيقي، لحققنا مانصبو اليه من رؤية ورسالة وهدف تم زرعه على مدى سنوات، برأيي لو أنشئ قسم في كل وزارة لإعطاء بطاقة خبرة، لمن برز في مجاله وحقق النجومية في ذلك طبقا لمعايير مرسومة ومدروسة لتمكنا من اعادة تدوير ذلك الشخص الخبير، فمثلا هناك من يملك مهارات متميزة في مجال ما، فلو اخذ تلك البطاقة في مسمى تلك المهارة، فبعد تقاعده سيتم الاستعانة به في مجالات عدة ويتم التعاقد معه بناء على ذلك لنشر خبرته في المنشآت والمؤسسات والمشاريع الجديدة التي هي بحاجة للوقوف على قدميها، فعند الاستعانة بهؤلاء الخبراء في بداية الأمر من تخطيط وتنفيذ وتدريب، سنسرع من إنضاج تلك القطاعات وبنائها البناء الصحيح في بداية إنشائها، فكما هي (سمة) ملتقى معلوماتي فكذلك يتم انشاء قطاع يكون ملتقى معلوماتيا لتصنيف تلك الخبرات لسهولة الاستعانة بها، وتنظيم تداولها وحفظ حقوق أولئك الخبراء، فإعادة تدويرهم فائدة لهم وللمجتمع، فالمتقاعد سيحصل على دخل مالي إضافي وسيستمتع بالعطاء الذي سيجدد نشاطه وينظم وقته ويعلو به مقامه، فقد وصل من النضج ما يجعله علما في ذلك مما يحفز نفسيته ويدعم صحته بارتقائه في مجتمعواكتسابه لمنزلة جديدة يمارس فيها مهاراته وإبداعاته بكل استمتاع، فاجتماعيا سينتقل من كونه شخصا عاديا الى شخص يحمل مسمى خبير، وماديا سيكتسب دخلا إضافيا مقابل تلك الميزة التي استثمرها، وشخصيا سيبدأ في خطوة تطويرية جديدة تنتقل بنفسيته وصحته

للأعلى، وطبيا فإن الانشغال باكتساب مهارات جديدة سيبني لديه مسارات عصبية جديدة في الدماغ فتعتلي طاقة المخ لتبعد عنه مرض الخرف والزهايمر، فالإنسان اذا كان لا يزال في دائرة التفاعل والاكتساب فإن ارتفاع مستوى الطاقة والهمة والنشاط سينقذه من ان يصبح فريسة للأمراض الجسدية والنفسية.