23-10-2014

لماذا يختبئون خلف الدين..؟

علمتنا دروس التاريخ أن المتطرف والأصولي لا يكسب معركته في نهاية الأمر، ولكن يخطفها السياسي بعد أن تصل الحرب إلى أهدافها، وعادة ما يرفع المقاتلون البسطاء الشعارات العظيمة، التي تدعو للمبادئ السامية أو تمجّد الجهاد في سبيل الله وتقدم الوعود إلى جنة الخلد، بينما لا يدركون أن خلف تلك الشعارات أطماعاً سياسية محددة، لكنها غير معلنة..

وتُعتبر حركة الحوثيين أحد تلك الأمثلة التاريخية، والتي تتحرك في أرجاء اليمن حاملين السلاح والشعار المقدس الذي يُوحي أنهم أنصار الله، الذين سيهزمون أعداء الدين من خلال رفع كلمة الله عز وجل، لكن الحقيقة أن أطماع النظام السابق وتحالفات إقليمية تختفي خلف شعار أنصار الله، وتحاول من خلاله أن تعود مرة أخرى للسلطة، ولفظ الجلالة عز وجل في هذا السياق هو مجرد كناية ضمنية لمتسلط يريد الوصول إلى أهدافه السياسية من خلال السماء.

كذلك تنطبق نفس القراءة على ما يُطلق عليه بتنظيم الدولة أو داعش، والذي يتمتع بقوة غير مسبوقة، ويرفع شعار تطبيق الشريعة بطريقة تثير الاستفزاز مثل إقرار تملُّك السبايا وقتل المخالفين في الدين، وفي ذلك دلالة أن من خلفها لا يعي مقاصد الشريعة الدين الحنيف، ولكن يريد إيهام المتعاطفين مع عودة الخلافة، أنهم أنصار إحيائها، لكن ما يظهر ما بين سطور تلك الحركة القوية النفوذ أن ثمة قوة عربية خلف تلك الشعارات، ولا يخفى على المتابع التبجيل الذي يصدر من أنصارها بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وهو من كان في نظر الأصوليين يوماً ما علمانياً وكافراً.

يقول المرجع الشيعي اللبناني السيد محمد حسن الأمين: إيران تسعى للتمدد على أساس القومية الفارسية وليس الإسلامية، ويصب ذلك في نفس السياق، فالشعار الإيراني المرفوع هو الإسلام، لكن الحقيقة التي تختبئ خلفها هو إعادة الإمبراطورية الفارسية وإضعاف الدول العربية المجاورة، والدليل محاربتها للغة العربية وللأقلية العربية في الأحواز، لذلك هم يستخدمون الشعارات المقدسة مثل حزب الله وأنصار الله من أجل الوصول إلى دغدغة مشاعر بعض العرب الشيعة في البلاد العربية، ثم استخدامهم للوصول إلى أهدافها، ولو كان ثمن ذلك تدمير الأوطان العربية.

ولعل المثال الأشهر في التاريخ دولة إسرائيل والتي استخدمت شعار شعب الله المختار لجذب يهود من مختلف الأعراق، وقد هاجر العرب اليهود إليها بحثاً عن «الله»، لكنهم بعد رحيلهم اكتشفوا أن الله عز وجل ليس له علاقة بما يحدث في فلسطين، ولكنها أطماع سياسية تقودها أقلية أوروبية غير مؤمنة، وقد عُرف في بن غوريون إلحاده، وأنهم أي اليهود العرب مجرد طبقة ثانية أو ثالثة في المجتمع الإسرائيلي، أو جنود في ساحة المعركة.

أتساءل لماذا تختبئ الأطماع السياسية والرغبة في التسلط خلف «الله» عز وجل؟، ولماذا ينساق خلفها البسطاء، ولعل تفسير ذلك أن شعوب المنطقة تؤمن أن الله جل جلاله هو الذي سيخلصها من الظلم الذي يعيشه بعضهم فيه، ومن أجل ذلك هم مستعدون لبذل أرواحهم من أجل الوصول إلى الهدف، لكن ما يخفى عليهم أن الكثير من المتسلطين والمتسلقين لديهم قدرة أخّاذه على الاختباء خلف تلك الشعارات، وأن المخلصين لهذه الشعارت، مهما كانت درجة إيمانهم، لا يملكون القدرة أن يدركوا أي هؤلاء المتسلطين يمثّل رسالة الله تعالى الصادقة.

كردة فعل على ذلك، ظهرت مقولة طهّروا الدين من دنس السياسة، والتي لا يمكن على الإطلاق أن تحكمها نصوص أو مبادئ، فالقوة عندما تتكمن من الأمر تتشكَّل في مكر الثعلب وفي غطرسة الأسد، وتمارس سياستها حسب مصالحها، وأن استدعى ذلك أن تضحي بأبنائها، وحسب قراءتي سيستمر الصراع السياسي في المنطقة يختبئ خلف شعارات دينية في المنطقة العربية إلى أن يتغير الحال، ويدرك الناس أنهم مجرد أحجار شطرنج في الحروب الدينية الحالية، وأن مصالحهم الحقيقة تأتي بتحررهم من الانقياد بلا وعي وراء السلطة التي تختبئ خلف الشعارات السامية.

مقالات أخرى للكاتب