23-10-2014

.. إلا التيئيس ...

«ليس الأعاريبُ عند اللهِ من أحدِ»؛ فليكن قائلُها «أبونواس» شعوبيًّا مُغرقًا في كره العرب ولو نطق بلسانهم وامتلك بنانًا في بيانِهم لكننا بلغنا زمنًا شكَّك فيه العربيُّ المتعصبُ لقوميته بقيمةِ العرب؛ «فليس الأعاريب عند الناسِ من أحدِ» كذلك ، أما عند ربِّ الناس فكلُّ نفسٍ بما كسبت رهينة، وهو - جلَّ شأنُه - أعلمُ بمن اتقى.

** كذا حالُ الأمة المهزومةِ إذ لا قيمة لها في ذاتِها ولا عند سواها،والهزيمة كلمةٌ ملطفةٌ عن الانحطاطً والتخلفِ والتأخر ومرادفاتِها،وهو حكمٌ لم يُواكب بدراساتٍ ومنحنياتٍ بيانيةٍ لمراحلِ الصعود والسقوط بتجردٍ لا يبحثُ في الشخصِ بل المؤسسة ، ولا تعنيه الفترةُ وإنما الإنجاز؛ فالتعميمُ هروبٌ نواجهُ به مافات أو ما هو آت.

** ليس أبو نواسٍ فردًا بل ظاهرة؛ فكما سبقه إسماعيلُ بن يسار وبشارُ بن برد ولحقه ديكُ الجن ومهيار الديلمي فقد بقُوا غير عربٍ يبكون قومياتهم المستلبة لتمتدَّ علائم الاستفهام باستطالة الخيبات العربية حين تتبدى شعوبيةٌ عربيةُ الأرومة ممن يفاخرون بقبليَّتهم فيصنعون أشجار أنسابهم وممن يدَّعون شرف الانتماء فيعلنون ساداتياتهم وهم في الضفة الأخرى رومٌ فوق الروم وفرسٌ أشدُّ من الفرس وخارجيون ولو استقبلوا مكة.

** سنبقى متفائلين رغم السواد، وفي بني أبينا من يستكثرون علينا ثقب الضوء الذي تخلقه إرادةُ الحياة وجذورُ الهُويَّة واليقينُ بالمتغيرات الجارفةِ التي تتكونُ خارج صناديق السياسة والأدلجة بلغة جيلٍ لم يتلوث بإحباطِ يائسٍ وحقدِ شعوبيٍّ وولاء مزدوج.

** مابعد الربيع العربيِّ لن يكون كما قبله ؛فدماؤه ودموعُه وأخطاؤه وخطاياه دروسٌ قد تُغيِّر مساراتِ الغد إذا قُرئت بعقولٍ محايدةٍ في مراكز أبحاثٍ غيرِ موجهةٍ تعي شروط النهضة وتؤمن بتبادليةِ الغلبة وقابليةِ الاستقلال.

** المفارقة أن الجيل الذي عاش على وهم انتصارات الزعيم زمنًا لم يكن رغدًا فصدَّق وصفَّق يقود التيئيس والتبئيس ، وفي حوار قريبٍ ردد صديقٌ أننا أمة في درب الزوال وأن التأريخ سيعلق لافتته فوق أطلالنا بوصفنا الأسوأ في مدونات المدى وأننا عبثنا بالكون وكلفناه الكثير وطلب تهنئة العالم بقرب زوالنا.

** له إماتتُنا ولنا عدمُ الرهان ضدَّ مشيئةِ الشعوب، ومثلما يبعث الواقعُ الأسى فإن مجرى الزمنِ يعني الإيمان بتبادل الأدوار وتبدل الأحوال ، كما لنا أن نقنط بأنفسنا وعلينا ألا نُقنط سوانا.

** توقف الجدلُ مع صديقنا حول ما يجيء أو لا يجيء لنأملَ ونعملَ ونمشيَ على الأرض كما نحلقُ في الفضاء وتُوظفَ القراراتُ وَفقًا لاستراتيجياتٍ ودراسات ونحييَ الروحَ في الذوات المثقلةِ بالهموم والوهن.

** مرت تجارب سوانا بظلامٍ خلَفَه تنوير وعشنا تجربتنا تنويرًا أعقبه ظلام ، ولا ليلَ يدوم دون نهار كما لا شمسَ تشرقُ فلا تغرب، ومن عاش أمسًا جميلًا فلن يعدم غدًا يشبهُه إذا شاء.

** اليأسُ نهاية.

إشارة :

ورد في مقال الخميس الماضي اسم محطة «سي.بي.إس» خطأً طباعيًّا فوجب التنويه.

ibrturkia@gmail.com

t :@abohtoon

مقالات أخرى للكاتب