أمانة منطقة الرياض والمسرح السعودي

د. طلال بن سليمان الحربي

كم أحب الحديث في مثل هذه الأمور المتعلقة بالفكر والثقافة. الأمر الذي أطرحه اليوم على حضراتكم هو اهتمام أمانة منطقة الرياض بالمسرح السعودي، وقرار معالي الأمين المهندس عبدالله المقبل بأن يكون المسرح فعالاً على مدار العام في مدينة الرياض، وليس فقط مقتصراً في فترة الأعياد والإجازات. هذه الخطوة الرائعة من أمانة الرياض، ومن المقبل تحديداً، تعطي الانطباع العام عن أجواء الرياض وطبيعتها كمدينة، وبعض من خصائص أهلها وتوجهات المشرفين على إدارتها وتنظيمها ورعايتها.

منذ فترة كنت قد كتبت عن مشاركة الفنانين التشكيليين السعوديين مع أمانة منطقة الرياض في عملية تزيين الرياض بلوحات ورسومات وطنية، بالتعاون مع الفنانين التشكيليين. واليوم نتحدث عن المسرح، وإتاحته للجمهور طوال العام، وهذا بالتالي سيكون له أكثر من أثر إيجابي على الحياة العامة، سواء فيما يتعلق بتوفير مادة ترفيهية هادفة وموجهة إيجابياً، أو من خلال إثراء الحركة المسرحية نفسها، وإظهار إبداعات أبناء الوطن وتفاعلهم مع المجريات والأحداث، سواء الداخلية أو الخارجية, وهو أيضاً تعبير عن مكنونات الشعب السعودي وتوجهاته ورغباته وآرائه، لكن بطريقة أكثر حضارية، من خلال نصوص مكتوبة، يراعى فيها الأصول والثوابت المهنية للمسرح كافة، والوطنية بشكل عام.

هذه الخطوة أصفها بحق بأنها مكملة للفكر الذي انتهجته أمانة منطقة الرياض في الفترة الأخيرة، وتأتي من الرؤية الوطنية التي يقود بها أمير منطقة الرياض تركي بن عبدالله، الذي يؤكد دائماً أن التطور الحضاري لأي مدينة ليس فقط مرهوناً بإنشاءاتها أو طرقها وجسورها، بل أيضاً بروحها الثقافية ونمو الوعي والإدراك الوطني الحسي فيها. البنية التحتية ليست أيضاً في فكر تركي بن عبدالله حفراً وردماً وتمديدات، بل بالتزامن هي بنية تحتية وطنية شاملة، تعنى بحركة الجسد والممتلكات، وتعنى بحركة العقل ومستويات التفكير.

وهذا القرار الصادر بتوجيهات المقبل سيكون له أيضاً أثر إيجابي على الفن المسرحي نفسه وعناصره كافة من حيث التجهيزات الخاصة بالمسرح والنصوص والمؤثرات والممثلين والمخرجين؛ لأنهم حين يجدون أمامهم السبيل مفتوحاً لتقديم عروضهم طوال العام فإنهم سيكثفون من عملهم، ويتعلمون ويُعلمون. وهذه العملية ستؤدي إلى بيان مدى نجاح كل عمل من خلال طول فترة استمرار العرض ورضا الجمهور عنه. ولكي يرضى الجمهور لا بد أن تقدَّم له مادة فنية، تحترم عقله، وتخاطب فكره، وتحاكي واقعه باحتياجاته وأحلامه.

الجمهور هو مادة أمانة منطقة الرياض، والمقبل أمين منطقة الرياض يعلم جيداً أنه كما في المسرح يسعون لإرضاء هذا الجمهور فهو أيضاً يسعى إلى الشيء نفسه, وإن كان المثل القائل «إرضاء الناس جميعاً غاية لا تدرك» مثلاً صحيحاً إلا أن هناك دائماً حدوداً مقبولة، وأجزم بأن أمانة منطقة الرياض قد تجاوزتها بكثير. ولعلني الآن أحاكي المهندس المقبل، وأقول له: أنت أيضاً مخرج، لكن في مسرح كبير جداً، ولمسرحية وطنية اسمها الرياض إلى الأمام دائماً, وممثلوها من كوادر من أبناء الوطن، والأهم أيضاً أن عملكم على مدار العام. وفقكم الله جميعاً.