29-10-2014

لا بد من تداعي العقول لمقاومة مسرح اللامعقول المنصوب على كامل المنطقة

«هذه دعوة أوجهها لكل ذات وذي عقل رشيد بالمجتمع العربي والإسلامي والعالم للتفكير بصوت عاقل مسؤول في اللامعقول السياسي والعسكري الذي يجري بالمنطقة العربية وتجر فيه دولها وشعوبها لمصائر لا إنسانية مرعبة. على الأقل لنقول لالالالا».

إلى متى تتخطفنا دراما الأحداث وتحولنا إلى مواد خاملة أو كبريتية في حريق يستعر بريش شبابنا ويوقد بمالنا ويضيء سمواتنا بالعتمة والدخان والخوف من الآخر المختلف والمتشابه معا ومن بعضنا البعض على حد سواء؟؟.

إلى متى يضع الساسة أيديهم على أسلحتهم في الصحو والمنام خشية كلمة طائشة او خطبة رعناء أو خلايا تتظاهر بالنوم أو الخوف من الخوف ليس إلا وخاصة من الكلمة الشفيفة المخلصة؟؟

إلى متى يحسب المواطنون أنهم أيتام قصر تدار شؤونهم وأموالهم بالوصاية عليهم وهم سادرون في استهلاك المخاوف أو التلمظ بأحلام الحظوة بالفتات أو الحصول على العراقيب من لحم الشاة؟؟

إلى متى تصير الأقليات والقوى المستضعفة ضحايا الصراعات الإقليمية والتنافس غير الشريف على تقاسم سنامات السلطة بالنيابة في المنطقة ؟؟

إلى متى والمثقفون، آآآآآه من المثقفين، يضعون أيديهم تحت ذقونهم أو يكتفون بكتابة مئة وأربعين حرفا على تويتر, ليسكتوا بها صراخ ضمائرهم من مسؤوليتهم الجائرة عما يجري، إما بصمتهم الثرثار أو بكلامهم الصامت أو بانسحابهم من ساحة التفكير كالمنسحب من ساحة وغى؟؟

إلى متى يقف العالم العربي والعالم الإسلامي والعالم أمام أناس كانوا بشرا حيا, فحولتهم فوضى الحرب وتخبط الرؤية إلى ثلث تبلد وثلث لايبالي وثلث فقأ عينيه لئلا يرى روحه تتقصف وكرامته تمرغ في الوحل دون أن يستطيع تمييز العدو من الصديق والمذنب من البريء والقاتل من المقتول، فالكل مسؤول بلا استثناء عن دم الشعوب المراق. الكل مسؤول بلا استثناء عن سيكسبيكو بنسختها الشرق أوسطية المكبرة ملايين المرات عن النسخة القديمة بما فيها نحن الذين نظن بأننا لسنا إلا موضوعاً لما يقع علينا من تجارب التوحش السياسي والتغول العسكري بسبب من مثل هذا النمط من حسن الظن باستسلامنا.

إلى متى نضع أصابعنا في آذاننا ونخرج عقولنا من رؤوسنا ونقتلع عيوننا من مآقينا لنجاري مايجري أو نصدق أن كوارث الجوار تجري بيد مقادير لانقدر على ردها ولانملك بركة الدعاء عليها، فشتات شعب وتهجير أسر بأسرها وتفريغ قرى من كل روح حية وتفتيت إرادات بكامل قواها العقلية وتدمير مدن تاريخية وأحياء كانت تمور بالحياة ليس إلا حريقا سينمائيا لن يسري إلينا ولن يخنقنا دخانه ولن تعلج أطرافنا ناره أي كان الغاز والكبريت والمال والنوايا الحسنة والغايات السيئة التي تسببت فيه أو زادت في سعيره.

إلى متى نشخص ببلادة وبلبلة وبشتات رأي وبغموض رؤية لايضاهيه تاريخ البكاء على هضبة التنهدات ولاتحويل المغول لدجلة والفرات إلى حبر مشرب بالدماء, ولاسقوط القدس بأيدينا في يد الاعداء؟

كأن قدراتنا مثقفين وشعوباً وأكاديميين وعلماء شلت أو كأن العقل والفكر المستقل والرشد قد تبرأ منا أو كأننا لم نكن في معلقات حب الحرية وحب الأوطان غير حفنة غرة وحفنة أدعياء.

أين نخبئ رؤوسنا بعد أن خلنا أننا رفعناها في تدحرج الطغاة عام 2011 وقبل أن يعودوا لاستجماع قواهم الغاشمة، فخانتنا الرؤيا وتحول الحلم إلى كابوس لسنا فيه إلا ضحايا أو كومبارس أو بلطجية بعمم وريات متعددة ونياشين أبطال، فلم يبق إلا أن ننكفئ من جديد ننقب في تواريخ الهزائم.

كيف لنا أن نعيش؟ كيف يطيب لنا شراب؟ وكيف يطاوعنا منام أو يستقر تحت ضلوعنا فراش؟ كيف نستحل الطعام؟ كيف لا تنشق حناجرنا أو تقفل عنا مجرى الهواء ونحن نلوك الصمت أو نجتر كلاما مستهلكا مثل هذا؟ بينما كارثة أوطان بأسرها تعرض على الشاشات كفيلم رعب بربري كلنا نؤدي فيه دور الأشرار ببطولة مطلقة.

كيف نظن أننا بشر أسوياء ونحن نعجز عن دق الصهريج بالظبط كما لم يفعل أبطال قصة غسان كنفاني غير أننا إمعانا في العجز أكثر منهم نسقط في دق الطبول ونتورط أفرادا وجماعات في سقوطنا بالتهرب من رفع الإصبع ولو بإشارة تدل على مدى تلطخ وجوهنا ودفاترنا وطعامنا ولوح المفاتيح والشاشات وكل أشكال كتابتنا وضمائرنا بدم الأبرياء.

وإذا كان الله عزَّ وجل لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإننا مثل ما هو معروف لن يولى علينا أفضل مما نحن عليه من حالة تشظٍّ وشتات وبؤس وهوان، وبالمثل فإن أقدار الشعوب لاتختلف عنها. فالشعوب القوية تصنع اقدارا تملكها والشعوب الضعيفة تنتج أقدارا منكسرة مشتتة يسهل التلاعب بها.

ليس هذا الكلام جلدا للذات وإن كنا نستحق، ولكنه فيض المرارة ومحاولة متعثرة لنقد الذات نقدا يدعي الموضوعية في أوضاع اللامعقول التي يعيشها العالم العربي علها تشكل محاولة للتغلب على جبننا في الحديث، فربما الاعتراف بما يعانيه الكاتب مثل غيره من شتات الأمر والفكر يشكل ريشة لحرية التفكير والبحث عن فهم رشيد عقلاني لما يجري وعن مسؤوليتنا فيه وعنه.

وإذا كان للسياسة تدابيرها ولقواها وإعلامها الحق في إصدار بيانات تصون من وجهة نظرها الأمن وهذا يجري كل بادواته وأسلحته ورؤاه السياسية وقواه الأمنية على امتداد المجتمع العربي، فإن الواجب اليوم على جميع عقلاء المجتمع العربي رجالا ونساء التداعي كما فعل علماء ومفكرو المجتمع العربي والإسلامي إبان تلك المرحلة الجامحة من التحولات نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بمده الاستعماري، من الأفغاني إلى محمد عبدو وعبدالرحمن الكواكبي ونحن نسوق هذه الأسماء بشكل رمزي ليس إلا, التداعي دون إبطاء على الأقل للتفكير والحديث بصوت مسموع وعلني وضميري في التدهور المريع الذي تمر به المنطقة اليوم. هذه مسؤولية المثقفين اليوم (اتخاذ موقف عقلاني من اللامعقول الراكض بالمنطقة) التي لن تعفيهم الأجيال من التعثر او التشاغل أو الخوف من التصدي لها أياً كانت الأثمان.

هذه دعوة أوجهها لكل ذات وذي عقل رشيد بالمجتمع العربي والإسلامي والعالم للتفكير بصوت عاقل مسؤول في اللامعقول السياسي والعسكري الذي يجري بالمنطقة العربية وتجر فيه دولها وشعوبها لمصائر لا إنسانية مرعبة. على الأقل لنقول لالالالا.

Fowziyaat@hotmail.com

Twitter: F@abukhalid

مقالات أخرى للكاتب