01-11-2014

اقتصاد ويل للمصلين

آية وحديث وقاعدة يستخدمها منظِّرو ما يُسمَّى الاقتصاد الإسلامي في كل حديث وطرح بمناسبة وبلا مناسبة ويتجاهلون نصا مكملا لهما فخرجوا بفهم ونتائج لا تليق بالشريعة.

فالآية قوله تعالى «وأحل الله البيع وحرم الربا» والحديث حديث تمر خيبر، والذي جاء فيه منع بيع تمر جيد مقابل ضعفين أو ثلاثة من تمر رديء، والأمر ببيع التمر الرديء بالدراهم واستخدام الدراهم لشراء التمر الجيد. والقاعدة الفقهية هي قاعدة «كل قرض جر نفعا فهو حرام أو فهو ربا». بينما لا يذكرون مطلقاً حديث العرايا، والذي هو معكوس حديث خيبر بالضبط، وبهما معاً تفهم الآية، وبدلالتهما وضع أئمة الفقهاء على قاعدة القرض الفارقة بين القرض والبيع. وتجاهلهم لحديث العرايا جعلهم يفهمون الآية وحديث خيبر كمن يستدل بويل للمصلين ويقف، ويفهم الشرع عليها.

فالاقتصاد الإسلامي المزعوم الذي أسسه باقر الصدر واستخدمه الإخوان لخدمة شعارهم «الإسلام هو الحل» يستدل بهذه الآية بشاهد الحديث والقاعدة الفقهية بمفهوم مقلوب ويستدل بهذا المفهوم على نتائج كثيرة فاسدة من أهمها ثلاث نتائج هي: التفريق بين القرض والبيع، وعلى تعيين الحكمة في الربا، وعلى نفع الصيرفة للاقتصاد.

فهم يُعرّفون القرض ويحددونه بأنه كل مال بمال من نفس جنسه. فإذا كان بزيادة وأجل فهو الربا المحرم. فيجادلون بأن الربا المقصود بالآية هو القرض الربوي وصورته استغلال حاجة فقير لريال يشتري بيضة يأكلها فيُعطى ريالاً مقابل ريالين بعد سنة. فهذا قرض وربا محرم وتتحقق فيه حكمة منع الظلم. بينما استغلال حاجة هذا الفقير بإعطائه البيضة مقابل ألف ريال -قيمة جمل - يردها بعد سنة فليس بقرض ولا ربا، بل هو البيع المقصود في الآية، وهو رزق حلال طيب وليس فيه ظلم، بل على العكس. فيستشهدون بحديث خيبر ببيع التمر مرتين بدلاً من مرة واحدة، بأن إقراض الفقير ريالاً يرده جملاً فيه حكمة تحريك السوق، وبالتالي زيادة الاقتصاد وتحقيق قوة الإسلام.

وبناء على هذا الفهم العجيب للآية (بيضة ببيضتين ربا على فقير ولكن بيضة بجمل بيع على نفس الفقير) فقد استندوا على القاعدة الفقهية ففرقوا بين التمويل البنكي العادي وبين التمويل البنكي الإسلامي. فلو كان التمويل العادي يأخذ فائدة 10% والتمويل الإسلامي يأخذ 20% فالثاني طيب والأول خبيث. ويستشهدون لذلك بالقاعدة الفقهية.

فعليها، عندهم التمويل الأول قرض جر نفعاً على البنك والقاعدة تقول كل قرض جر نفعا فهو ربا. بينما الثاني لم يجر نفعا على البنك بل أرباح مضاعفة مباركة. والربح ليس كالنفع! كما أن البيع ليس كالربا، بدليل قوله وأحل الله البيع وحرم الربا.

وهذا كله من الخلط في التعاريف بين المعنى اللغوي والشرعي، مع قلب المعاني والتنظير السفسطائي الذي يحاجك بأن 1+4= 9 فمتى تمكن هذا الفكر في أمة فكيف تأمل في عزها؟ وكيف تعجب من ذلها؟. فالآية بشاهد حديث خيبر ومعكوسه حديث العرايا مع القاعدة الفقهية في الواقع يدل على التفريق بين حكمة تحريم ربا القروض وربا البيوع وتوضيح للفرق التعاملي الشرعي بينهما.

فأولاً، إن حديث خيبر هو أمر ببيعتين لتحقيق مبادلة واحدة بدلا من تحقيقها ببيعة واحدة ( والشراء بيع). فبيعتان لغرض تبادل واحد لسلعة لاستهلاكها ليس فيه إضافة لقيمة كتوصيل وتوزيع ونحوه. وهذا لا يخفى على عاقل أن هذا فيه شاهد لتحريك السوق التضخمية الاحتكارية لا السوق الإنتاجية. فليس هناك في حديث تمر خيبر زيادة حقيقية استهلاكية في الطلب على التمر ولا زيادة في الانتاج.

فلا يزيد الاقتصاد ولا ينمو الا بزيادة الإنتاج، والإنتاج يدفعه زيادة الطلب الاستهلاكي. فهذا مجرد تدوير لسلعة التمر كما يفعل ملاك الأراضي عندنا. فكل شارٍ يريد زيادة ربح دون إضافة قيمة، فيُحفز الاحتكار وتتوسع الطبقية. وهذه الثلاثة عوامل يحفز بعضها بعضاً في حالة تدوير السلع بلا إضافة قيمة، كما نراه في تدوير الأراضي.

وثانياً فإن الأمر بمنع المفاضلة بين التمر الجيد والرديء والأمر باستبدال التمر الجيد بالتمر السيئ مثلا بمثل هو الربا اللغوي، وهو الظلم في الحقيقة، فلا يستوي الجيد والرديء شرعا ولا عقلا. وبما أن الأمر الأول يفسد السوق وهو حقيقة الفعل المأمور به في الحديث الصحيح، والأمر الثاني وهو الأمر بالظلم والنهي عن العدل، أمران كلاهما ممتنع عن الشرع الحكيم، فإن هذا يقودنا إلى أن هذا الفهم فهم ناقص مبتور بأخذ نص وترك آخر. فهو كمن يقف على ويل للمصلين.

وحديث العرايا الذي هو معكوس حديث خيبر، هو النص المبتور. فحديث خيبر ففي البيوع فالحال حال دالة على التجارة التي في حالها امر الشارع بما فيه ظلم ورفع للأسعار لمنعهما المتبايعين من طبيعتهما التجارية التي ستدفعهما للتجارة بالضروريات واحتكارها وهو الأشد ظلما وضررا وأوسع نطاقا. وأما حديث العرايا ففي القرض فالحال حال دالة على الفقير فأمر النبي بهذا الربا لان التبادل المباشر بين تمر وتمر ولو بزيادة ارخص للفقير من مبادلة واحدة ببيعتين. فالظلم هنا منع الفقير من التفكة بالرطب ورفع السعر عليه بزيادة بيعة من غير حاجة. فالحكمة إذا والله أعلم، هو تأكيد لمعنى دلالة الحال في تفريقها بين البيع والقرض. وفيها توجيهنا لفهم الشريعة بتنزيل نصوصها على نية الفعل ودلالة الحال التي تتغير من سوق لسوق ومن شخص لشخص، ويتبع ذلك أنه مهما تغير المكان والزمان، فالشريعة اعجاز إلهي لا تتغير مقاصدها الحكيمة. فهذا دليل شرعي على أن دلالة الحال هي الحد الفارق بين القرض والبيع المتوافق مع الحكمة، والقول بغير ذلك ممتنع لأن فيه اثبات للظلم ونفي لحكمة ومقاصد الاسلام. وأما مُجرد قلب معاني الاية وانكار حقائق لا تخفى على عامي غير مُغيب الفكر من حديث خيبر، فهو ليس إلا تشكيكاً لإيمان من يعبد الله على بصيرة، وإيجاد حيرة وتنازع بين عقله وقلبه وخلق ثقافة العبادة بالعادة لا بالإقناع في المجتمع، وتنشئة جيل يقبل التسليم بالمعضلات بدلا من تحديها بالحلول والإبداع. وأما تطبيقه وفرضه على السوق فيدمر اقتصاد المسلمين وسوقهم. فالسوق تنتج حقيقة الفعل لا صورة حيلة صيرفة ولا صدى أساطير. وما تفعله البنوك من عدم إعطاء تمويل إلا بالتأكد من ملاءة السجل الائتماني للمتمول هو من طرق تحقيق دلالة الحال للتفريق بين المقترض وغير المقترض، لا كما يزعمه الاشتراكيون وأصحابنا المتأسلمون. الذين يزعمون ان عمل البنوك في التحقق من ملاءة المتمول دليل على الظلم وعلى استعباد الرأسمالية البنكية ( والظلم ما تفعله البنوك عندنا من رهن الراتب أو أخذ رهون غير المشروع الممول. وهذا هو الذي دفعها لاقراض الفقير لعدم حاجتها للتحقق من حال دلالة المتمول بكونه مقترضا فقيرا أو متمولا مليئا). والتمويلات سوق التجارة والاستثمار وللتجار ومن هو في حالهم لا سوق الفقراء والصدقات. فالتمول من البنوك هو أيضا من دلالة الحال يدل على حالة التجارة. وأما عند طلب الرجل من صديق أو جر سلفة مال، فدلالة حالة المقترض لا تخفى حتى على الصبيان. فترى المقترض يتأمل في عطف المقرض ورحمته ويقدم بين يديه شفائع المعروف وووسائط المواعظ. وتراه يخضع لاستغلال المقرض إذا كان فاقد الرحمة. ودلالة حال المقترض هذه لا تحدث عند البنوك مطلقاً، فلجوء البنوك للسجل الائتماني هو لتميز حاله وارتهان راتبه هو من نتائج الخلط بركات مفاهيم الاقتصاد الإسلامي المزعوم.

وكذلك هناك إيضاح أكبر عند بيان خلط هؤلاء شرعاً وعقلاً وعجمية لسانهم عندما نتطرق لجانب التعريفات اللغوية والشرعية للبيع والقرض، سنجعلها في مقال السبت القادم.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب