02-11-2014

قل لي: كم مرة (تَعرْعَرْت) .. أقل لك: (من أنت)..؟!!

* ظاهرة الشيخ السوري (عدنان العرعور)؛ التي أصبحت في الأيام الأخيرة حديث المجالس ووسائل الإعلام؛ تستوجب التوقف عندها لدراسة نتائجها ومآلاتها، ومن ثمّ الرجوع إلى أسبابها، من أجل أخذ العبرة منها، وفهم الدرس جيداً.

* أقول هذا الكلام؛ لمن هم في هرم المسئولية السياسية والأمنية والاجتماعية، ولكافة المؤسسات الرسمية والأهلية والمواطنين السعوديين، الذين يملؤهم الإيمان بحمد الله، ويتعاطفون مع مآسي إخوانهم العرب والمسلمين في كل مكان، ولكن تخونهم عواطفهم هذه، وتجرفهم مشاعرهم الجياشة، حتى تطيش منهم سهامهم الخيرية، فهي ربما تضل طريقها، وتذهب إلى أعدائهم بدل أصدقائهم، فترتد عليهم وعلى بلادهم بخسائر دينية وسياسية واجتماعية فادحة، وهذا الأمر ليس غريباً ولا جديداً علينا، ولكنه قديم منذ (زفة الجهاد الأفغاني)، الذي تحول من جهاد في سبيل الله، إلى جهاد ضدنا، وتحول علينا وعلى بلادنا بالتنكير والتكفيروالتفجير، واستهداف أمن الوطن وقيادته واستقراره.

* الشيخ العرعور؛ جاء إلى هذه البلاد الآمنة، طالباً أمنها وحمايتها، بعيداً عن الفتنة التي استعر أوارها بين الشعب وقيادته في سورية قبل ثلاث سنوات، وكان ينبغي له أن يحترم أصول الضيافة في البلد المضيف مثل آلاف الضيوف السوريين، وفيهم علماء وأعلام وقادة وزعماء، فهو منذ البدء؛ راح يتصرف كزعيم وبطل ومنقذ من خارج حدود سورية، بل زاد واستغل ثقة العلماء والمؤسسات الخيرية ووسائل الإعلام، وراح يعزف على وتر الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة، وظهر مرات عدة على قنوات فضائية؛ وهو يردح ضد شيعة المملكة من قنوات في المملكة في مزايدة رخيصة، وفي وقتها حذّرت منه ومن هذا الخطاب الانتهازي الرخيص الذي هدفه استعطاف السعوديين ودغدغة مشاعرهم لا أكثر، فما لبث أن أخذ يجوس في بعض مناطق المملكة، فتقام له الولائم، وتنظم له العزائم، ويهز المنابر بالخطب الرنانة، وفي الطائف حدث مثل هذا في عدة أمكنة؛ دون أن يقول له أحد قف، وقد قدم نفسه على أنه وسيط خير لجمع التبرعات للجرحى والمنكوبين في سورية، ووضع رقم حسابه البنكي في تغريداته على التويتر، وظل يسرح ويمرح دون رقيب أو حسيب، إلى أن جاءت الأخبار بتصريح على لسان المنشق عن جبهة النصرة (سلطان العطوي) مفاده: إن زعيم جبهة النصرة (أبو محمد الجولاني)، تلقى تمويلاً من العرعور مقداره مليون دولار..!

* مليون دولار..! من فرد ضيف على البلاد؛ يعرف أن جبهة النصرة هي جماعة إرهابية ترتبط بالقاعدة الإرهابية، وأن المملكة أعلنت مرات عدة، أن جبهة النصرة جماعة إرهابية مثلها مثل القاعدة وداعش.

* لماذا لم يأخذ الضيف العرعور بأصول الضيافة، ويلتزم بأنظمة البلد الذي هو فيه، وقد ظل ليل نهار يلعب بعواطف السعوديين، ويستثمر مشاعرهم الدينية؛ لحلب المزيد من الأموال التي تصب في حساباته بصورة غير شرعية ولا مشروعة..؟ هل يملك حصانة من أحد..؟ أم هو استثناء في المشهد الذي يستغل الفتن والمحن؛ ليتكسب منها، ويثري على طريقة: (مصائب قوم عند قوم فوائد)..! فمصائب السوريين عنده وعند أمثاله؛ وجاهات وهدايا وعطايا، وأموال كثيرة في حسابات خاصة، وليست الحسابات الرسمية التي خصصتها وتشرف عليها الدولة لجمع التبرعات.

* القضية ليست في (عدنان العرعور) ولا في ظاهرته هذه، ولكن من حقنا أن نسأل أنفسنا:كم عرعوراً من أمثاله؛ يعيش بيننا، ويمارس علينا الدجل والخداع باسم الدين، ويحلب ما طاب له من أموالنا لخاصة وللجماعات المتطرفة والإرهابية التي ينتمي إليها..؟!

* كم عرعوراً يتظاهر بالتقوى والصلاح، فيخادع الناس بمظهره، ويثق الطيبون في كلامه، ويصدقون خطابه، ويظنون أن ما يأخذ من أموال خيرية؛ هي في سبيل الله، لتشبع الجوعى، وتكسي العراة، وتداوي المرضى، وتضمد جراح المنكوبين في بلدانهم، بينما هو في حقيقته؛ مشروع إرهابي في ثوب إصلاحي، يستلب خيريات المجتمع، ليجند بها أبناء الآخرين، لكي يَقتلوا ويُقتلوا في معارك عبثية، ويشتري بها السلاح الذي به يذبحون خلق الله في كل مكان، ثم لا يتورع أن يصلي مع الناس- أو يصلي بهم- ويخطب فيهم، فيبكي ويستبكيهم، إلى أن تتقطع حناجرهم من النحيب..!

* من المؤكد أن الشيخ العرعور؛ سوف يضعني في خانة (الرويبضة اللادينيين) من الكتاب والإعلاميين السعوديين؛ الذين إذا انتقدوا تصرفاته الطائشة في وطنهم وفي مجتمعهم؛ أصبحوا رويبضات لا دين لهم، كما درج على هذا القول على الملأ..! وعسى أن لا يدندن بهذه الاسطوانة المشروخة؛ أحد من أحباره وأتباعه.

* أيها الطيبون في وطني الحبيب: كم مرة (تعرعرتم) من الشيخ العرعور وممن هم على شاكلته، فذهبت تبرعاتكم وخيرياتكم إلى غير وجهتها الصحيحة..؟! إذا عرفتم ذلك؛ عرفتم من أنتم.

alsalmih@ymail.com

مقالات أخرى للكاتب