03-11-2014

ذكرى الهجرة النبوية العطرة

في الأسبوع الماضي حَلَّت ذكرى الهجرة النبوية العطرة، جعل الله هذا العام عام خير لأُمَّتنا، وكشف عنها كلَّ ويلاتها. وكنت قد كتبت - فيما مضى - قصيدة بعنوان: «تراثية» عن الهجرة وما تَحقَّق بعدها عبر التاريخ الهجري إلى أن وصلت أُمَّتنا إلى ما وصلت إليه الآن.

ولقد رأيت نشر تلك القصيدة بدلاً من الحديث نثراً في هذا الأسبوع:

كَفانيَ من جورِ الهوى ما أغالبُ

ومن كأسِه ما كدَّرته الشوائبُ

وقلبٌ أذابته صواحبُ يوسفٍ

وأرهقه من كيدهنَّ تجاربُ

فهذي تُمنِّيه بمعسولِ قولها

وأَحلى كلام الغِيدِ ما هو كاذبُ

وتلك إذا مَرَّت سباه جمالها

وقَيَّده مما أَرتْه ذوائبُ

وثالثةٌ... أَما الدَّلالُ فَمِلْكها

وأَما فنون السحر فهي عجائبُ

غَزَتْ بالعيون النُّجْل أركان مهجتي

فَهَشَّ لها ربعٌ وبشَّت ملاعبُ

ونفس الفتى أَمَّارة تعشق الهوى

وتدفعها نحو الجمال مآربُ

وما أَتعبَ العُشَّاق غَطَّت رؤوسهم

من الشيب أجنادٌ وحَلَّت كتائبُ!

* * *

على أنه ما زال في مهجتي رُبىً

سقتها من الغيثِ الهتونِ سحائبُ

فأضحت رياضاً يملأ الجوَ عطرُها

وتَقطف مما طاب منها النجائبُ

تَنَقَّل ما بين المرابع... حُرَّةً

وتَمرح أَنَّى أعجبتها المضاربُ

ومن ذا الذي لا تملك الهجن قلبه

وللهجن من حلو الصفات مناقبُ؟

رَفيقةُ درب اليعربي وخِدنُه

صفا زمن أم كَدَّرته نوائبُ

مشارقها تشدو بفيض عطائها

وتَلهج فيما قَدَّمته المغاربُ

ومنذ أَضاء الفجر تاريخَ أمتي

تلاقى به إنسانها والركائبُ

* * *

وفي ليلةٍ لاحت تَباشيرُ سعدها

وجادت بنور الحق منها كواكبُ

سَرَتْ ذات يُمْنٍ سَدَّد الله خطوها

وحَفَّت بها عن كلِّ سوء مواكبُ

على ظهرها من حَطَّم الشركَ هديُه

وزالت بما أُوحي إليه غياهبُ

سَرَتْ من حمى البيت العتيق.. وطَيبةٌ

إلى حضنِها تهفو المُنى والرغائبُ

أناخت بها «مأمورة» فتأسست

لمسجده حيث استقرَّت جوانبُ

وقامت على التوحيد أفضلُ دولةٍ

تَحقَّق للإِنسان فيها مكاسبُ

* * *

وهَبَّت جيوش الفتح تنشر رحمةً

وتُرهب باستبسالها من يحاربُ

وجَاوز أركانَ الجزيرة خالدٌ

وإخوانُه الصيدُ الكماةُ الغواضبُ

فأُسْدٌ على أرض العراق مُغِيرةٌ

وأخرى على أرض الشآم تَوَاثَبُ

وما انهزمت لابن الوليد كَتيبةٌ

ولا صَعُبت مما أراد مطالبُ

عدا من ربوع الرافدين مُغرِّباً

وفي كبد الصحراء تغلي الَّلواهبُ

«بيومٍ من الجوزاء متَّقد الحصا

تلوذ بأعضاد المطايا الجخادب « (1)

طَوَى بالركاب البيد مسرعة الخُطَى

وبالعزم تُجتازُ القفار السباسبُ

وفَوق ثَرى اليرموك عَطَّر جندَه

سحائبُ من نصر الإِله سواكبُ

* * *

وما فترت للمؤمنين عزائم

ولا وقفت للفاتحين مواكبُ

تَخطَّت حدودَ الصين منهم طلائعٌ

وفي جَنَبات الغال(2) جالت كتائبُ

وأصبحت أنَّى سرت شرقاً ومغرباً

تراءت لعيني إخوة وأقاربُ

ففي الهند أتباع لديني ومِلَّتي

وفي المغرب الأقصى لقلبي حبائبُ

* * *

وأمضي مع التاريخ أسبرُ غوره

وأتلو من الأمجاد ما خَطّ كاتبُ

ويبدو صلاح الدين فوق جواده

بحطِّين والنصر المبين مُوَاكِبُ

وأمضي وأمضي والحضارة قبلتي

فتأسرني للعُرْب منها مواهبُ

وأَلمح صحرائي... فَألثمُ ثَغرَها

ويغمرني بالطهر جِيْدٌ وحاجبُ

وينساب في سمعي هُجينيُّ فتيةٍ

بأكبادهم شوقٌ إلى البيض لاهبُ

على ضُمَّرٍ فَحلُ الشرارات(3) جَدُّها

شماليلُ شابت من سراها الغواربُ

أرادوا بها هِيْتاً فتاه دليلهم

وليس لهم من دون هِيْتٍ (4) مشاربُ

و»للترف منسوع الجديلة» بسمةٌ

يطيب لمرآها السُّرى والمتاعبُ

ومَرَّت أمامي حُرَّةٌ صَيْعريةٌ

عليها من الغُرِّ الميامين راكبُ

«مُصَيِّحةٌ» لم تعرف البيد مثلها

إذا ما دعاها في الملمَّات واجبُ (5)

تَكلُّ النعام الرُّبد وهي وراءها

تغالب من إعيائها ما تغالبُ

* * *

وعدت إلى نفسي فأبصرت واقعاً

يَلفُّ مُحيَّاه الأسى والمصائبُ

فكم دولةٍ شادت على الجور حُكمَها

ومَزَّق جسمَ الشعب منها مخالبُ

وكم مُدَّعٍ حبَّ الجماهير... زيفُه

مشارقُها ضاقت به والمغاربُ

تَمرَّس في فنِّ الخداع فأصبحت

له طرقُ مشهورةٌ... ومذاهبُ

وفي كل مصرٍ من مواطن أُمَّتي

كُرومٌ عَثَتْ في مجتناها ثعالبُ

ولي إخوة صَبَّ الرفاق عليهم

من الظلم ما لم ترتكبه الأجانبُ

أما حان للفجر الجميل بوادرٌ

بمقدمها الميمون تُجْلَى الغياهبُ؟

(1) هذا البيت من قصيدة نبطية مشهورة لبركات الشريف.

(2) بلاد الغال جنوب غربي فرنسا.

(3) الشرارات قبيلة مشهورة بالإِبل الممتازة. ولذلك يقول الشاعر المبدع عبد الله بن سبيّل:

بناتْ حُرِّ فحَّلوه الشرارات

بالعيس تعنى له جميع البوادي

ضُمَّر: إبل. شماليل: قويَّة.

(4) هِيْت: مورد ماء بين الرياض والخرج أصبحت بجواره بلدة الآن. والأبيات فيها إشارة إلى قصيدة نبطية منها:

روَّحَنْ مثل القطا صوب الثميلة

ضُمَّرٍ تفرش عليهنَّ العباة

ورّدوهن هِيتْ واخطاه الدليلةْ

والموارد غير هِيتْ مقضِّباتِ

واهني الترف منسوع الجديلةْ

ما ضواه الليل دون مغرَّزاتِ

(5) مصيِّحة: ناقة أصيلة من إبل الملك عبد العزيز. كانت مشهورة بسرعة سيرها. لذلك كان يستعملها في إيصال الرسائل إلى من يريد. والصَيْعر قبيلة مشهورة بالإِبل الممتازة.

ولقد رأيت نشر تلك القصيدة بدلاً من الحديث نثراً في هذا الأسبوع:

كَفانيَ من جورِ الهوى ما أغالبُ

ومن كأسِه ما كدَّرته الشوائبُ

وقلبٌ أذابته صواحبُ يوسفٍ

وأرهقه من كيدهنَّ تجاربُ

فهذي تُمنِّيه بمعسولِ قولها

وأَحلى كلام الغِيدِ ما هو كاذبُ

وتلك إذا مَرَّت سباه جمالها

وقَيَّده مما أَرتْه ذوائبُ

وثالثةٌ... أَما الدَّلالُ فَمِلْكها

وأَما فنون السحر فهي عجائبُ

غَزَتْ بالعيون النُّجْل أركان مهجتي

فَهَشَّ لها ربعٌ وبشَّت ملاعبُ

ونفس الفتى أَمَّارة تعشق الهوى

وتدفعها نحو الجمال مآربُ

وما أَتعبَ العُشَّاق غَطَّت رؤوسهم

من الشيب أجنادٌ وحَلَّت كتائبُ!

* * *

على أنه ما زال في مهجتي رُبىً

سقتها من الغيثِ الهتونِ سحائبُ

فأضحت رياضاً يملأ الجوَ عطرُها

وتَقطف مما طاب منها النجائبُ

تَنَقَّل ما بين المرابع... حُرَّةً

وتَمرح أَنَّى أعجبتها المضاربُ

ومن ذا الذي لا تملك الهجن قلبه

وللهجن من حلو الصفات مناقبُ؟

رَفيقةُ درب اليعربي وخِدنُه

صفا زمن أم كَدَّرته نوائبُ

مشارقها تشدو بفيض عطائها

وتَلهج فيما قَدَّمته المغاربُ

ومنذ أَضاء الفجر تاريخَ أمتي

تلاقى به إنسانها والركائبُ

* * *

وفي ليلةٍ لاحت تَباشيرُ سعدها

وجادت بنور الحق منها كواكبُ

سَرَتْ ذات يُمْنٍ سَدَّد الله خطوها

وحَفَّت بها عن كلِّ سوء مواكبُ

على ظهرها من حَطَّم الشركَ هديُه

وزالت بما أُوحي إليه غياهبُ

سَرَتْ من حمى البيت العتيق.. وطَيبةٌ

إلى حضنِها تهفو المُنى والرغائبُ

أناخت بها «مأمورة» فتأسست

لمسجده حيث استقرَّت جوانبُ

وقامت على التوحيد أفضلُ دولةٍ

تَحقَّق للإِنسان فيها مكاسبُ

* * *

وهَبَّت جيوش الفتح تنشر رحمةً

وتُرهب باستبسالها من يحاربُ

وجَاوز أركانَ الجزيرة خالدٌ

وإخوانُه الصيدُ الكماةُ الغواضبُ

فأُسْدٌ على أرض العراق مُغِيرةٌ

وأخرى على أرض الشآم تَوَاثَبُ

وما انهزمت لابن الوليد كَتيبةٌ

ولا صَعُبت مما أراد مطالبُ

عدا من ربوع الرافدين مُغرِّباً

وفي كبد الصحراء تغلي الَّلواهبُ

«بيومٍ من الجوزاء متَّقد الحصا

تلوذ بأعضاد المطايا الجخادب « (1)

طَوَى بالركاب البيد مسرعة الخُطَى

وبالعزم تُجتازُ القفار السباسبُ

وفَوق ثَرى اليرموك عَطَّر جندَه

سحائبُ من نصر الإِله سواكبُ

* * *

وما فترت للمؤمنين عزائم

ولا وقفت للفاتحين مواكبُ

تَخطَّت حدودَ الصين منهم طلائعٌ

وفي جَنَبات الغال(2) جالت كتائبُ

وأصبحت أنَّى سرت شرقاً ومغرباً

تراءت لعيني إخوة وأقاربُ

ففي الهند أتباع لديني ومِلَّتي

وفي المغرب الأقصى لقلبي حبائبُ

* * *

وأمضي مع التاريخ أسبرُ غوره

وأتلو من الأمجاد ما خَطّ كاتبُ

ويبدو صلاح الدين فوق جواده

بحطِّين والنصر المبين مُوَاكِبُ

وأمضي وأمضي والحضارة قبلتي

فتأسرني للعُرْب منها مواهبُ

وأَلمح صحرائي... فَألثمُ ثَغرَها

ويغمرني بالطهر جِيْدٌ وحاجبُ

وينساب في سمعي هُجينيُّ فتيةٍ

بأكبادهم شوقٌ إلى البيض لاهبُ

على ضُمَّرٍ فَحلُ الشرارات(3) جَدُّها

شماليلُ شابت من سراها الغواربُ

أرادوا بها هِيْتاً فتاه دليلهم

وليس لهم من دون هِيْتٍ (4) مشاربُ

و»للترف منسوع الجديلة» بسمةٌ

يطيب لمرآها السُّرى والمتاعبُ

ومَرَّت أمامي حُرَّةٌ صَيْعريةٌ

عليها من الغُرِّ الميامين راكبُ

«مُصَيِّحةٌ» لم تعرف البيد مثلها

إذا ما دعاها في الملمَّات واجبُ (5)

تَكلُّ النعام الرُّبد وهي وراءها

تغالب من إعيائها ما تغالبُ

* * *

وعدت إلى نفسي فأبصرت واقعاً

يَلفُّ مُحيَّاه الأسى والمصائبُ

فكم دولةٍ شادت على الجور حُكمَها

ومَزَّق جسمَ الشعب منها مخالبُ

وكم مُدَّعٍ حبَّ الجماهير... زيفُه

مشارقُها ضاقت به والمغاربُ

تَمرَّس في فنِّ الخداع فأصبحت

له طرقُ مشهورةٌ... ومذاهبُ

وفي كل مصرٍ من مواطن أُمَّتي

كُرومٌ عَثَتْ في مجتناها ثعالبُ

ولي إخوة صَبَّ الرفاق عليهم

من الظلم ما لم ترتكبه الأجانبُ

أما حان للفجر الجميل بوادرٌ

بمقدمها الميمون تُجْلَى الغياهبُ؟

(1) هذا البيت من قصيدة نبطية مشهورة لبركات الشريف.

(2) بلاد الغال جنوب غربي فرنسا.

(3) الشرارات قبيلة مشهورة بالإِبل الممتازة. ولذلك يقول الشاعر المبدع عبد الله بن سبيّل:

بناتْ حُرِّ فحَّلوه الشرارات

بالعيس تعنى له جميع البوادي

ضُمَّر: إبل. شماليل: قويَّة.

(4) هِيْت: مورد ماء بين الرياض والخرج أصبحت بجواره بلدة الآن. والأبيات فيها إشارة إلى قصيدة نبطية منها:

روَّحَنْ مثل القطا صوب الثميلة

ضُمَّرٍ تفرش عليهنَّ العباة

ورّدوهن هِيتْ واخطاه الدليلةْ

والموارد غير هِيتْ مقضِّباتِ

واهني الترف منسوع الجديلةْ

ما ضواه الليل دون مغرَّزاتِ

(5) مصيِّحة: ناقة أصيلة من إبل الملك عبد العزيز. كانت مشهورة بسرعة سيرها. لذلك كان يستعملها في إيصال الرسائل إلى من يريد. والصَيْعر قبيلة مشهورة بالإِبل الممتازة.

مقالات أخرى للكاتب