03-11-2014

إلى أمانة مدينة الرياض: قبورهم وقبورنا!

{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (26-27 سورة الرحمن).

أثار الزميل د. جاسر الحربش في مقالته الشفافة بالجزيرة «يا لطول نفق التخلف» الأربعاء الماضي 5 من محرم في زاويته «إلى الأمام» أشجانا وأسئلة في مشهد القبور المثير للتأمل والبحث عن أسلوب جديد لتنظيمها والحفاظ عليها من الاندثار.

ذلك اليوم الذي نفجع فيه بفقد حبيب ونشيعه إلى مثواه في أي من مقابر الرياض شرقا أو غربا نعود بعد الدفن شعثا غبرا متسخين وكأننا ودعنا الحياة نحن مع الفقيد ثم بعثنا من جديد؛ فالمقبرة متربة مغبرة تفتقد التنظيم والسفلتة أو الرصف، وتفتقد الحمامات التي يحتاج إليها أقرباء الفقيد ومشيعوه بعد الدفن لتنظيف أنفسهم مما علق بهم من الأتربة والغبار، وتفتقد ترقيم القبور وتنظيمها في صفوف ليعلم من يرغب في الزيارة مكان قبر قريبه ولو حتى زار بعد سنين.

والمألوف أن ما نعرفه اليوم من قبور من فقدناهم من أحبائنا -رحمهم الله- لا يمكن أن نعرفه بعد أسابيع قليلة؛ لاكتظاظ المقبرة وعدم وجود علامات أو أرقام يمكن بها معرفة القبر المقصود بالزيارة.

وإذا كان البناء العالي المقصود به التعظيم والتفخيم غير مرغوب فيه؛ فماذا يضير من الحفاظ على القبر من الاندثار بتغيير التربة إلى إسمنت أو ما يشبهه بحيث يحافظ على القبر سنوات طوال من أن تمحوه الأمطار والرياح ويتساوى مع الأرض بعد عشرات السنين؟! وما الذي يمنع من كتابة اسم المتوفى على القبر ليعرف مكانه ويزار؟ وما لذي يمنع من وضع رقم عليه بحيث يمكن حفظه والبحث عنه عند الرغبة في الزيارة؟!

إن أيا من هذه الأساليب التي يقصد منها الحفاظ على القبر من الاندثار لا تعني التفخيم أو التبجيل أو تدعو إلى التوسل أو التبرك بالموتى كما يمكن أن يتبادر إلى الأذهان؛ وإنما الغاية النبيلة الخالصة الارتقاء بمستوى المقبرة من حيث النظافة والترتيب والحفاظ على القبور من الاندثار ومعرفة الموتى عند الرغبة في زيارتهم والدعاء لهم، ويمكن أن يكتب الاسم بالحفر في أحد الشاخصين من الصخور لكي لا يمحى مع تقادم الزمن.

وهي أهداف أربعة واضحة وصريحة لا تتعارض أبدا مع النهي عن إقامة القباب أو المباني العالية المرتفعة بقصد التبجيل والتفخيم.

إن للموتى حرمتهم، كما هي حرمة الأحياء، وأكاد أزعم أن كثيرين ممن فقدوا لهم أحباء ويرغبون في زيارتهم بعد سنة على الأكثر؛ فإنهم لن يتمكنوا من معرفة قبورهم وسيتوجهون لهم بالدعاء وطلب المغفرة والرحمة حسب الظن بوجودهم في ناحية من نواحي المقبرة، ولا أعتقد أن ثمة ما يمنع من أن نساعد من يريد أن يبر بوالديه أو أحدهما أو أي من أقربائه فندله عليه بمعرفة اسمه ورقم قبره، وفي أي جانب وصف دفن؟!

ولأن من غير المفيد أن نقارن بين قبورنا وقبور الشعوب في الدول الأوربية مثلا؛ لاختلاف الدين والعادات والتقاليد؛ ولكننا يمكن أن نأخذ بما لا يتعارض مع تعاليم ديننا وقيمه العظيمة التي تشدد على احترام الموتى وتحث على زيارتهم وبرهم بعد موتهم والدعاء لهم، ولن يتأتى ذلك في أكمل صوره إلا بمعرفة قبر المتوفى.

في المقابر الأوربية وحتى المدن في الصغيرة يشعر الزائر أو من يمر بها ولو من باب الصدفة أنه أمام حديقة غناء حافلة بالزهور لا مقبرة جرداء موحشة، وقد يمتد به الإعجاب بحسن الترتيب ودقة التنظيم وهندسة البناء أن يلتقط لنفسه صورة للذكرى مع الموتى؛ فالمقابر مرتبة مبنية بالرخام أو بالاسمنت، والممرات مرصوفة، والشواهد واضحة مكتوب عليها اسم المتوفى.

إنها الفوضى في عالم الأحياء التي لا بد أن تلاحق الموتى حتى في قبورهم وبعد أن يغادروا الحياة والأحياء؟!

وإن لم تكن الفوضى؛ فهي التشدد الذي يأبى على اللين!

moh.alowain@gmail.com

mALowein@

مقالات أخرى للكاتب