04-11-2014

مخدرات مجانية

تشرفت بمصاحبة معالي مدير الجامعة بدران العمر في وفد من الجامعة زار المديرية العامة لمكافحة المخدرات، وذلك للتأسيس لتعاون بين الجامعة والمديرية لتوعية طلاب الجامعة ومنسوبيها بخطر هذه الآفة المدمرة على عقولهم ومستقبلهم. كما سررت لرؤية المسئولين عن مكافحة المخدرات في بلادنا سعادة الأستاذ عبد الإله الشريف أمين

اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، وسعادة اللواء أحمد الزهراني مدير عام الإدارة، وزملائهم من العاملين من مهندسين وضباط. فلم تك هذه الزيارة الأولى لي للمديرية بل الثانية، ولن تكون الأخيرة - بإذن الله - لأني اعتقد أن الاطلاع على ما تقدمه المديرية مهم جداً وضروري، ففي كل مرة أزور فيها المديرية أتعلم أشياء جديدة عن هذا الجهاز المهم وازداد قناعة بنبل الدور الذي يقدمه في حماية شبابنا وشاباتنا من هذه السموم المدمرة.

الجامعة، وبلسان معالي المدير الأستاذ الدكتور بدران العمر، وانطلاقًا من استشعارها مسئوليتها الاجتماعية، أبدت كامل الاستعداد للتعاون في هذا المجال، وتعهدت بتقديم كل ما يمكنها تقديمه لدعم إدارة مكافحة المخدرات ليس في مجال التوعية فقط، بل وفي مجالات التدريب، والعلاج، والبحوث بكافة أشكالها، بما في ذلك المختبرات والمرافق الطبية. وعندما شكر مسئولو المديرية معاليه عما أبداه من اهتمام واستعداد للتعاون، وفي اقتراحه تأسيس لجنة مشتركة لتوقيع مذكرة تعاون في هذا المجال تضع النقاط على الحروف في مجالات وأوجه التعاون، أجاب معاليه: «لا شكر لأي واجب يقدم للوطن على الإطلاق».

وكان واضحاً تأثر وفد الجامعة بشكل كبير بما شاهده وعرض عليه، وعلى وجه الخصوص عرض الإدارة تصريح خادم الحرمين الشريفين الذي يصف فيه الإرهاب وتجارة المخدرات وغسيل الأموال بأنها أوجه متعددة لظاهرة واحدة. وكذلك ما صرح به الأمير نايف بن عبد العزيز، رحمه الله، عندما وصف المخدرات بأنها أكبر الشرور جميعها. فقد استشعرا، حفظ الله الحي منهم ورحم المتوفى، خطر المخدرات الداهم مبكرا وقدما كل الدعم المادي والمعنوي لمكافحته.

ولمعرفة حجم هذه التجارة البغيضة فهي تقدر بحوالي 28 مليار تقريبا سنويا، أما كلفة مكافحتها، وعلاج آثارها والجرائم المترتبة عليها فهي أضعاف هذا الرقم. ويبلغ إجمالي ما ضبطته وصادرته إدارة مكافحة المخدرات من حبوب الكبتاجون في ثلاث أعوام 181مليون حبة كبتاجون، و215 كيلو هيروين، و27 طن حشيش. أما الذي لم يقبض عليه ووجد طريقه لرؤوس فلذات أكبادنا فهو ربما أكثر بكثير. وقد قدمت أجهزة الأمن العشرات من الشهداء في مجال المكافحة والعمل متواصل في هذا المجال.

وروى أحد المسئولين عن مركز تقديم النصيحة للمدمنين، ومنهم من يمارس أيضا توزيع المخدرات، روى أمراً عجيبا وهو أنه بسؤال أحد الموزعين عما يدفعه من المال للمهربين مقابل الحصول على المخدرات من أجل توزيعها أجاب لا شيء، فهي تقدم لنا مجانا. أي أن هناك جهات تأخذ على عاتقها تهريب حبوب الكبتاجون وتقديمها لموزعيها مجانا!! وهم بدورهم يبيعونها بثمن بخس للشباب. فالهدف هو كما صرح سعادة اللواء الزهراني هو شباب الأمة، وتحويل الشاب من طاقة نافعة للمجتمع إلى عالة وشر عليه. فحملات التهريب التي لا تهدأ ولا تكل منظمة ولها أهداف متنوعة وخلفها أجهزة استخبارات وجريمة منظمة.

والأخطر من ذلك كما صرح سعادة المقدم أحمد الفارس، مدير عام الإدارة السلائف والمختبرات، هو أن الحبوب المخدرة التي تصل السعودية تعد في مختبرات بدائية، ويخلطها معدوها بشكل بدائي بكل ما يعتقدون أنه مدمر سريع لعقل الشاب. فهي تخلط بمواد معدنية كالزرنيخ ومواد أخرى تسبب تلف المخ والإصابة المباشرة بالزهايمر والرعاش. وكثير منها يكون موجها لتدمير الجهاز العصبي المركزي. كما أن البعض منها يحدث طفرات جينية قد تنتقل للأبناء فيما بعد. وفي كثير من الأحيان تخلط في هذه المواد مواد منشطة مع مواد مهدئة لزيادة تأثيرها بحيث يدمر التأثير المتعاكس لها الجهاز العصبي. والشباب الذي يجربون مثل هذه المواد من قبيل التجربة أو البحث عن المتعة يدمنون عليها مباشرة ويصابون بكافة أنواع الإدمان والذهان.

زيارة معرض الإدارة العامة للمخدرات ومشاهدة تأثيرها وأساليب تهريبها يجعل المواطن يحس بالقشعريرة والغضب في آن واحد، فالمعروضات تحسسك بأن المخدرات قريبة من فلذات قلبك بأكثر مما تتصور، والاطلاع على أساليب التهريب يؤكد بما لا يدع مجال للشك أن هذه الأساليب الشيطانية يقف وراءها منظمات وليس أفرادا، فالمخدرات تهرب في مواد مصنعة في مصانع مختلفة للمعدات الثقيلة، والأغذية، والكماليات، والأحذية، والحقائب، والحلوى أي أن من يهربها يمتلك سلطة على هذه المصانع ويوظفها في عمليات التهريب، وعندما يلاحظ الفرد أن كثيرا من هذه المنتجات ترد من بلاد عربية وإسلامية مجاورة يتملكه السخط والغضب.

والمحزن أن تسمع أن بعض الشباب وصل لمرحلة الإدمان السريع على هذه الشرور، وأنهم بدلاً من أن يكونوا شبابا نافعاً منتجاً، يتحولون لأذى بليغ على مجتمعهم وعلى أسرهم. فحسب إحصائية وزارة العدل فإن أكثر من 65% من الجرائم بكافة أشكالها أساسها المخدرات، وهذا بالضبط ما يريده أعداؤنا لمجتمعنا. وإدارة مكافحة المخدرات، حرصا منها لاستدراج المتعاطين لعلاجهم، توفر السرية التامة للأسر التي تبلغ عن أبنائها المتعاطين، وتضمن السرية التامة للمتعاطي عند طلبه مساعدتها، كما يقدم مختصون في الإدمان النصح للشباب في كيفية الإقلاع عن هذه الشرور، وتحيل المحتاجين منهم لعلاج مكثف لدور الرعاية ومستشفيات معالجة الإدمان التي أصبحت مكتظة وللأسف بالنزلاء.

لكن الأمل يبقى في تعاون وتكاتف المجتمع أفراداً ومؤسسات في مكافحة هذه الآفات. وقد سر الجميع كثيرًا بخبر تبرع شركة سابك بمبلغ 300 مليون لبناء مستشفى متخصص لمعالجة الإدمان، جعل الله ذلك في موازين أعمال مساهميها. ونتمنى أن يتقدم رجال الأعمال والشركات بمشاريع مشابهة ودعم لأعمال المكافحة. فشرور المخدرات تطال الجميع ولا تستثني أحدا أبدا. وما أخبار الجرائم المروعة التي سمعناها مؤخرًا في مجتمعنا، جرائم لم نعهد مثلها، ولم نسمع بها من قبل، إلا نتاج انتشار هذا البلاء، ابعد الله شروره عن الجميع.

كما ونهيب بجميع المؤسسات التعليمية، كبيرها وصغيرها أن تحذو حذو جامعة الملك سعود في تقديم كل ما تستطيع في مجال المكافحة، والعلاج، والتوعية. واضعف الإيمان هو تنظيم معارض توعية وتثقيف في المدارس والجامعات حول أخطار المخدرات. فمكافحة المخدرات في نظر الكاتب فرض عين فرضه أوجبه حفظ الدين والمال والعرض. وقانا الله وإياكم من شرور المخدرات وغيرها، وحفظ الله بلادنا من كل شر.

latifmohammed@hotmail.com

Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب