07-11-2014

تبَّتْ يد الفتنة

مساء يوم الاثنين الموافق 10-11436هـ الموافق 3 نوفمبر 2014م يوم لن تنساه الأجيال السعودية لأنه يحفر نفسه في الوجدان بقوة.. خليط من المرتزقة والعملاء وبعض المنخدعين وقوى الشر والخسّة والجبن يتحركون في مجاميع عند الساعة الحادية عشرة والنصف مساء، تحيط أحد المواقع بقرية الدالوة بمحافظة الأحساء،

زحفهم يتواصل باندفاع مجنون، تمَّ من خلاله إطلاق النار باتجاه مجموعة من المواطنين هناك من أسلحة رشاشة ومسدسات شخصية، وذلك بعد ترجلهم من سيارة توقفت بالقرب من الموقع، مما نتج عنه مقتل (5) أشخاص وإصابة (9) آخرين.

على الجانب الآخر يطلّ الوطن من بين جباله ورجاله، عملاق يحاصر الحصار.. ويصنع الرجال فيه للنصر موعداً قريباً.. يحوطه سياج منيع شامخ يسامق السماء من الوحدة والتلاحم والإيمان الوطني الذي لا يعرف غير معنى النصر أو الاستشهاد.. رجال أمن الوطن يفتدونه ويصنعون من أجسادهم المتلاحمة متاريس منيعة وخنادق وحوائط صلبة هي الموت بعينه للأعداء.. في العيون يلمع وهج النصر.. وفي القلوب يستقر إيمان راسخ لا يتزعزع بالوحدة الوطنية.. ومع كل ضغطة زناد تخرج الطلقة الوطنية الصامدة المدافعة تعلن التحدي ويتردد معها في أرجاء الوطن الواحد المتوحد صوت يدوي بعنف وقوة ووضوح: «الوطن أو الموت».. أفرز ذلك كله مشهد تصريح المتحدث الأمني لوزارة الداخلية بأن العمليات الأمنية الأخرى ذات العلاقة التي تمت في عدد من مناطق السعودية أسفرت بتوفيق الله عن القبض على (9) أشخاص آخرين، إضافة لمن سبق الإعلان عنهم، منهم (4) تم القبض عليهم بمحافظة بريدة، و(2) تم القبض عليهما في محافظة البدائع بمنطقة القصيم، إضافة إلى شخص في محافظة الأحساء، وشخص في محافظة شقراء، وآخر في مدينة الرياض ؛ ليصبح إجمالي المقبوض عليهم من المتورطين في هذه الجريمة حتى الآن (15) شخصا في (6) مدن مختلفة من السعودية. ونتج عن عملية محافظة بريدة مقتل مطلوبَيْن، كما نتج من تبادل إطلاق النار استشهاد النقيب محمد بن حمد العنزي، والعريف تركي بن رشيد الرشيد، وإصابة وكيل الرقيب عبدالرحمن بن خليفة الحربي، والعريف عبدالرحمن شجاع الحربي ؛ اللذين تم نقلهما إلى المستشفى لتلقي العلاج والرعاية الطبية اللازمة.

إنّ القلوب الحاقدة تتعطش لمزيد من الدماء والدمار والفتنة.. فتوجه فوّهات أسلحتها نحو الآمنين من أجل تحقيق مآرب خسيسة ومكشوفة، وإرادة الصراع والتناحر والتمزق والفرقة وتدمير النسيج الاجتماعي، وإيقاد نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.

الوحدة الوطنية هي وحدة الخير والقوة.. وهي وحدة من أجل تعزيز الأمن والاستقرار والسلام على هذه الأرض الطيبة.. نعم.. إن الوحدة الوطنية - كما قال عن واجباتها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - يرعاه الله -: «إن وحدة هذا الوطن وقوته تفرض علينا مسؤولية جماعية في الذود عنه، في زمن كثرت فيه أطماع الأعداء والحاقدين والعابثين، وهذا يستدعي منا جميعا يقظة لا غفلة معها، لذلك فدورنا يضاعف علينا المسؤولية المشتركة بين الجميع كل في موقعه، فالوطن للجميع، ومعيار كل منا على قدر عطائه وإخلاصه لوطن قامت أسسه على دعائم الدين والذود عن حياضه بالنفس والنفيس، ولا نخشى في ذلك لومة لائم، فهذا هو المحك لمعادن أبناء الوطن وكلهم معدن نفيس بإذن الله وهو عهدنا بهم».

إن رؤية عاجلة في اتجاهات بوصلة خارج وطننا في اتجاهاته الأربع هو استكشاف للتحديات الحضارية والمتغيرات الفكرية التي تحيط به وبأمتنا الإسلامية. إذ تتعرض لاضطرابات وهزّات مما يوجب علينا أن نكون أكثر وعياً، وأكثر يقظة للحفاظ على وحدتنا، وعلى هذه المكاسب العظيمة التي أنعم الله بها علينا. فهذا الوطن بفضل الله، ثم بفضل جهود الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ وحتى عصرنا الزاهي، تكوّن والتأمت أجزاؤه، وتوافرت عوامل الثقة المتبادلة والتفاهم المشترك والحوار المسؤول لدى قيادته الراشدة المتوازنة الرشيدة، وحرصها على تحقيق أمل شعبها في إرساء وحدتها التي طالما تطلّعت إليها وقدمتْ في سبيلها أغلى التضحيات. وتسخير كل الطاقات وإنجاز كل الأهداف وتحقيق التقدم والتنمية بالانفتاح الاجتماعي الفكري والثقافي على روح العصر بالمساواة في الحقوق والواجبات وعدم التمييز على أساس المناطقية، أو القبلية، أو المذهبية.

الروح والمشاعر الوطنية المهيبة التي هبّت عاصفتها بعد حادثة الأحساء الإرهابية والبشعة في كل الساحات التي تضامنت مع أهالي الضحايا خاصة والمواطنين في الأحساء عامة وتقدير دور رجال الأمن لا يمكن إلا أنْ ننحني أمامها ونصفق لها بقدر معاهدتها بالحفاظ على الثوابت والمكتسبات الوطنية التي عبّرت عنها، وبذات القوة والإرادة التي أظهرتها، التي أثبتت أنها التوّاقة لتوطيدها، والمتعطشة لتثبيت طرق السلام والتقدم والعزة على أرض الواقع. بقدر ما تقف كل فئات الوطن اليوم لتقديم التعازي لأبناء هذا الوطن وأسر المتوفين وذويهم وأسر رجال الأمن وذويهم، ومطالبة الجهات المعنية بتقديم الجناة للعدالة لينالوا جزاءهم الرادع بأسرع وقت. وتبصير أبناء هذا الوطن بمختلف انتماءاتهم ومكوناتهم لاستشعار المسؤولية ومواجهة كافة المخططات الشريرة من محركي الفتنة خارجاً وأذناب التطرف داخلاً التي تستهدف إثارة الفتنة في الوطن والدخول به وأبنائه إلى أتون الصراع والعنف والاقتتال.

يا أبناء وطني الكبير (المملكة العربية السعودية)، ويا أيها المقيمون على أرضه، لندعو الله جميعاً : اللهم احفظ هذا الوطن الغالي وأبناءه والمقيمين على أرضه، اللهم أدم عليه أمنه وإيمانه ووحدة صفه. اللهم زدنا إيماناً فلا تضعفنا الأحداث، وزد بلادنا قوة فلا تؤثر فيها الأعمال الجبانة. آمين.. آمين.. آمين. {فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.

Twitter: @alshamlan641

مدير الإعلام التربوي بإدارة التربية والتعليم بمحافظة وادي الدواسر

مقالات أخرى للكاتب