09-11-2014

البو والعصافير

البو ولد الناقة، إذا نفق بعد الولادة يسلخ جلده ويحشى تبنا، ويقرب من أمه لتدر عليه، وقيل ولد البقرة، في كل الأحوال القصد من ذلك خداع الناقة أو البقرة كي تدر الحليب على مظنة أن الذي أمامها هو ولدها حيا ينتظر الحليب، بينما هو في الحقيقة مجرد بو لا حياة فيه ولا حراك، ومع ذلك تنطلي الحيلة على الناقة أو البقرة، وتدر الحليب بغزارة، وبهذا تتحقق الغاية المنشودة من صناعة البو المتمثلة في إدرار الحليب.

تقول الخنساء في رثاء أخيها صخرا:

وما عجول على بو تطيف به لها حنينان إعلان وإسرار

ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال وإدبار

وعلى المنوال نفسه، ومع اقتراب موعد حصاد القمح وغيره من المزروعات، وخشية من هجمة العصافير المعهودة وغيرها من الطيور على سنابل القمح وعلى المنتجات الزراعية، يلجأ المزارع إلى صناعة بو على هيئة إنسان، ويضعه على أطراف مزارع القمح، بحيث إذا رأته العصافير فرت هاربة خشية منه وخوفا، وبهذا يتقي المزارع عبث العصافير وإفسادها المتمثل في إتلاف السنابل.

في الوقت الحاضر كثر الحديث عن إيران وقوتها الخشنة، المتمثلة في حزب الله في لبنان، وأنصار الله (الحوثي) في اليمن، والقلاقل التي تثيرها في البحرين، بعد هيمنتها على العراق، وإغراق سوريا في حرب داخلية وفتنة طائفية، وتحريض أتباعها في الدول الأخرى على إثارة الفتن والتخريب والخروج على الأنظمة الحاكمة، وعن قوتها الناعمة المتمثلة في الدعم المادي الهائل لنشر المذهب الشيعي في أفريقيا وأمريكا الجنوبية وشرق آسيا، وأين ما استطاعت إلى ذلك سبيلا بكل صراحة وعلانية، بل وتحد صارخ، للأنظمة القائمة التي يبدو أن جلها في سبات عميق من الخطر المنتظر لهذا التمدد والتحدي.

مما لا شك فيه أنه من السذاجة والحماقة، وقلة العقل وقصر النظر، التهوين من خطورة هذه القوة الخشنة وكذلك الناعمة لإيران والاستهانة بها، والتقليل من أهميتهما الآنية، وعلى المدى البعيد في تكوين بؤر تدين بالولاء لإيران تتحول في الوقت المناسب إلى مخالب لإثارة الفتن وتشظي المجتمع وانقسامه، وتعدد ولاءاته وتعارض مصالحه، عندئذ تستحيل إدارة المجتمع بصفة تحقق التنمية لأفراده، وتطويره واستثمار مقدراته، وبهذا يتحول المجتمع إلى مجتمع معوق بمشاكله، منكفئا على ذاته، متخلفا عن مسيرة الركب الحضاري، إيران لا تخفي هذا الطموح، هذه التطلعات ولا تخجل منها.

على الرغم من بجاحة إيران وقلة حياء قادتها، المتمثل في تدخلها السافر في شؤون الدول عامة والعربية على وجه الخصوص، وإظهارها لمقومات قوتها الخشنة، إلا أنها مجرد بو أجوف، لا تخيف إلا العصافير، فإيران في بنيتها المجتمعية، ووضعها الاقتصادي المستنزف في العراق وسوريا ولبنان واليمن مهددة بالانهيار بين عشية وضحاها، الوقت يمضي في غير صالحها لو أحسن إدارته واستثماره.

الخشية الحقيقة التي يجب التنبه لها وأخذها في الحسبان، والخوف الحقيقي الذي يجب عدم التهاون به ومعه، يتمثل في مدى تلاحم وتعاضد البنية المجتمعية مع قادتها، إنها القوة الناعمة التي عندما تتحول إلى قوة خشنة، يتعذر التحكم فيها، والسيطرة عليها، فعندما يؤتى المجتمع من داخله فقل على سلمه وسلامته السلام.

إن تعزيز البنية الداخلية وتقويتها يتحقق بالعدالة والرفاهية، وبمحاربة الفساد وهدر المال العام، هذه هي الضمانة المؤكدة للأمن الاجتماعي والتصدي لأي عدوان خارجي مهما كانت قوته وسطوته.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب