11-11-2014

أهمية التحول من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد المتجدد لتعزيز التنمية الوطنية والاستقرار

تمكن الإنسان من إعمار الأرض وتذليلها لخدمة أغراضه وتحقيق غاياته. وتنتقل المجتمعات من مجتمع التضامن الميكانيكي (النوعي) الذي كان فيه الفرد يعتمد على نفسه في تلبية احتياجاته الى مجتمع التضامن العضوي الذي تزداد فيه حاجة الفرد الى الآخرين لتلبية احتياجاته المتنامية وغير المتناهية.

ظهرت الحاجة لتقسيم العمل لتلبية هذه الاحتياجات وتقسيم العمل مستمر لأن المتطلبات مستمرة ولا نهائية، ويقوم الآخرون بتوفير هذه الاحتياجات للفرد والتي بدورها تولد المهن والوظائف، وتحقق هذا مرهون بتقدم العلم والمعرفة من خلال الإبداعات الإنسانية التي سخرت الإمكانات الاقتصادية، ونجحت في المزج بينها لتحصل على مخرجات شتى يتمثل جانب منها في المخترعات والتقنيات التي غيرت وجه الحضارة الإنسانية.

يُشكل العلم والتقنية الخلفية المشتركة وراء التحولات الاقتصادية متناهية السرعة التي ولدت فرصا اقتصادية تنبثق عنها فرص اخرى وفرص بديلة، وتتنافس الدول في الاستحواذ على هذه المقومات. ويبدو جلياً أن الدول الكبرى والأكثر تقدماً تنظر للعلم والتقنية كأدوات استراتيجية جوهرية تسهم في البناء وتحقق النماء والرفاه الاقتصادي والاجتماعي.

لا يغيب أيضاً عن الدول النامية أهمية العلم والتقنية كوسائل أساسية لرفع كفاءة الاقتصاد وتنويع مصادره. وأدركت هذه الدول أبعاد العلاقة المتبادلة بين العلم والتقنية من جهة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى.

تعتمد معظم الدول النامية بصفة أساسية على تصدير الخامات، وانخفاض حصة المنتجات المصنعة والتقنية من إجمالي صادراتها. وبذا فإن القيمة المضافة للسلع الأولية التي يتم تصديرها تكون ضئيلة جداً أمام المنتجات المشتقة منها التي يعاد استيرادها بتكلفة عالية القيمة وبعملات نقدية صعبة، مما يجعل الوضع الاقتصادي ودخل الفرد في كثير من هذه الدول لا يتفق مع الإمكانات الهائلة لموارد تلك الدول.

في حين أن البنية الاقتصادية غير المفعلة قادرة على استيعاب العديد من الصناعات التي تدخل فيها الخامات المصدرة لتنتج منها سلع نهائية تغني عن السلع المماثلة المستوردة من أسواق أخرى. وذلك للمسارعة في الحيلولة دون استمرار استشراء المرض (الهولندي) الذي سبق حسب أعراضه أن اعتمد المجتمع الهولندي على العائد الكبير من أسعار المادة الخام المصدرة في الرفاهية ورغد العيش. وعند الشروع في استثمارات التصنيع أصبح المنتج أعلى سعراً من المستورد مما روج للاعتماد على السلع المستوردة في ظل وجود منتجات عالية القيمة لا يمكن شراؤها في ظل قوى السوق مما أدى في النهاية الى انهيار الاقتصاد الهولندي، والذي ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي أن تأخذ الحذر من ذلك، والعمل على عدم الاعتماد على عائدات تصدير المواد الخام وإحلال مشروعات التصنيع الرائدة في المجالات الحيوية والتقنية والمعلوماتية باعتمادها على الخامات المحلية التي بدورها تفتح آفاقا جديدة وفرص عمل بديلة.

يشهد العالم تحولاً مذهلاً في المجال الاقتصادي يتمثل في التحول من الاقتصاد الصناعي إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، وهو الذي يمكن تعريفه بأنه الاقتصاد الذي يقوم بشكل مباشر على إنتاج المعارف والمعلومات وتداولها والاستفادة منها.

استشعرت الدول المتقدمة أن البحوث والدراسات وبرامج التطوير بعيدة المدى تُعد ضرورية لصياغة مستقبل واعد، وأن التخطيط الاستراتيجي للبحث والتطوير يساعدان على ضمان توجيه الموارد والابتكارات التقنية نحو تلبية احتياجات اقتصادية واجتماعية حيوية وموجه لفتح آفاق استثمارية في المجالات الأكثر حيوية.

تركز التنمية المستدامة على زيادة القدرات الإنتاجية للإنسان، وتعمل على رفع مستوي معيشته ورفاهيته بشكل مستمر، وتسهم بدور فعال في تقدمه العلمي والتقني. وتتركز برامج التنمية في الاستثمار في القوى البشرية، وتعتني بزيادة الكفاءة الإنتاجية ورفع معدلات الأداء وتحسن الوضع القائم، بما يعزز القدرات والإمكانات المتاحة ويفتح آفاقا تنافسية جديدة.

إذا كانت القدرات تحتاج للاستثارة والتفعيل فإن هذا الدور تأتي به عملية التنمية لتحقيق تدفق في النمو والتطور يتنامى باستمرار بما يعكس أهداف التنمية واستراتيجياتها. والتخطيط للتنمية لكي يصبح فعالا ينبغي أن ينطلق من أنها عملية مجتمعية شاملة ومتوازنة، وفي الوقت نفسه تستند إلى أهداف واضحة واستراتيجيات مستقبلية واضحة المعالم.

على المستوى الوطني فقد ركزت خطط التنمية على تنمية الموارد الاقتصادية التي بدورها تعمل على تنمية القطاعات الأخرى وتوفر رأس المال اللازم لإحداث التنمية، وتنمية الموارد البشرية التي تهتم بالاستثمار بعيد المدى في التعليم والتدريب، والتنمية الاجتماعية والصحية، وتنمية التجهيزات الأساسية.

تستهدف برامج التنمية استدرار القدرات واستثارة القوى الذاتية لإحداث نقلة نوعية متنامية في كافة المجالات. تعمل خطط التنمية على إحداث التغيير المستهدف في البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات، التي تسعى بمفهومها الشامل إلى توفير احتياجات الأفراد من سلع ووظائف وخدمات، وبما يحقق الارتقاء الحقيقي للمواطن، وهناك ارتباط وثيق بين التنمية والعلم والتقنية والإنتاج.

تسعى الخطط التنموية إلى المزج بين الفكر والتطبيق لإحداث نقلة وإجراء تعديل يطال كافة المجالات، رغبة في تحقيق نهضة حضارية ومستوى معيشي أفضل، وتحسين مستوى المعيشة بزيادة الدخول وزيادة فرص العمل، ورفع مستوى التعليم كماً وكيفاً والارتقاء بالقيم الإنسانية والثقافية. والعمل على توسيع مجالات الاختيار الاقتصادي لأفراد المجتمع.

تعتبر التنمية بمثابة العمود الفقري للاقتصاد الوطني، تدعمه وتغذيه بعناصر التطور والنماء. من خلال إقامة مشاريع البنى التحتية التي تنتج في الغالب خدمات عامة، ينتفع بها الأفراد والقطاعات المختلفة في الدولة، كمشاريع الخدمات التعليمية، والخدمات الصحية، والأمن، وشبكات الطرق والجسور، ووسائل النقل، والاتصالات، ومحطات توليد الكهرباء، ومشروعات المياه، والصرف الصحي، والتخلص من النفايات، ومشروعات الخدمات العامة الاخرى، وهي طبقاً لاستدامة التنمية احتياجات لا تنتهي بإقامتها وصيانتها، بل تحتاج إلى التطوير والتوسع وإقامة الجديد منها.

لا تقتصر جهود التنمية على مجال دون آخر انطلاقا من مواجهة التخلف ومكافحة الفقر وتحسين مستوى المعيشة، إلى تطوير الخدمات الصحية، وتحقيق الرعاية الصحية وتطوير وزيادة أعداد المستشفيات والمراكز التخصصية ومراكز الرعاية الصحية، وتوفير الدواء والأمصال والمستلزمات الطبية.

تستهدف عملية التنمية تطوير برامج التعليم الذي أصبح يمثل قضية وطنية حرجة نالت كل الاهتمام ووُفرت لها كافة الإمكانات بإنشاء المدارس وتطوير الخدمات التعليمية وتحديث المناهج وإدخال التقنية الحديثة فيها من خلال مشروعات وطنية عملاقة والتوسع في إنشاء الجامعات والمعاهد ومراكز البحث العلمي والأكاديميات المتخصصة.

إضافة إلى ذلك تمتد عملية التنمية إلي كافة مجالات الثقافة والفنون والإبداع التي حظيت بدعم واسع إيمانا بأن رصيد الحضارة الحقيقي يكمن في ثقافة الأمة التي تزدهر بالإبداعات الوطنية من فنون رفيعة وتراث فكري يتنامى. فصارت المتاحف ومراكز الإبداع جزءا من خطط تنمية المجتمع وأصبحت المكتبة مكوناً أساسياً من مكونات الفكر الذي يتطلب رعاية وتوعية تواكب التحضر ومعطياته.

يقع على كاهل الدول النامية جهد مضاعف لتحقيق تنمية حقيقية، في ظل ضعف قدراتها التقنية لإحداث التنمية التي أصبحت تعتمد أولاً على هذه التقنيات التي تزيد من الكفاءة الإنتاجية وتعزز القدرات التنافسية، وعلى تلك الدول إذا ما أرادت في تحقيق تنمية حقيقية أن تشيد بنية بحثية منسقة تؤسس للتنمية الشاملة بجميع معطياتها.

يقوم الاقتصاد على التكتل ولا ينمو ويزدهر إلا في ظل أمن واستقرار دائمين يضمنان دوام النمو واستمرار الازدهار، ذلك أن الاقتصاد المعافى يُظله نظام أمني ودفاعي مستقر يكتسب متانته من المقوم الجوهري للأمن الوطني وهو المقوم الاقتصادي الذي بدوره يساند المقوم العسكري الذي تسبق فيه عقود البيع عقود الشراء.

تتمحور حول المقوم الاقتصادي المقومات الاخرى بما فيها المقوم السياسي لأنه المحرك والممول للمقومات الاخرى بما يضمن ترسيخ الميزات التنافسية للتدريب الاحترافي، وتعميق تراكم الخبرات الوطنية، وفتح فرص استثمارية متنامية، وإيجاد فرص عمل بديلة تتبادل المنافع فيما بينها وتعمل على تحقيق مفهوم اقتصاديات الكفاءة تحت مظلة أمنية ودفاعية واقية تحققها وتتحقق بها وتتبادل معها الاستثمارات.

تتجه الارادة الوطنية نحو تبني توجه تنموي معاصر من خلال التحول من برامج التنمية العادية الى اقتصاديات الكفاءة، التي تستند الى تطبيق مفهوم الجودة في كافة مخرجاتها التنموية من أجل خلق بيئة تنموية أكثر ديناميكية وقدرة على تخطي الهزات الاقتصادية التي تعيق تنفيذ برامج التنمية العملاقة وتحول دون تعثر مشروعاتها التنموية.

لتحقيق ذلك عليها إيجاد قطاع اقتصادي انتاجي قائد يحقق مفهوم الجودة الشاملة في المخرجات «سلع وخدمات» يتولى قيادة الأنشطة الاقتصادية الاخرى بكفاءة وفاعلية، وتطوير نظام الخدمة المدنية بناء على الكفاءة، وتعزيز حماية النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، ورفع كفاءة الهيئات الرقابية، وتطبيق أحدث أساليب التقنية لتحسين جودة المخرجات والنهوض بإنتاجية ذات كفاءة عالية، والأخذ بمعيار العدالة والكفاءة والقوة والأمانة في شغل المناصب القيادية. ولعل الوقت أصبح أكثر ملاءمة لتبني الاستثمار في المعلومات من خلال مشروعات وطنية عملاقة، وإنشاء (بنك وطني) للمعلومات يدير هذه الاستثمارات ويحسن الاتجار بها.

alfaidi1@hotmail.com

- خبير في مجال الفكر الإستراتيجي

مقالات أخرى للكاتب