12-11-2014

الحوار طريقنا لتجاوز الصراع

كان للحادث الإرهابي في الأحساء ردة فعل مؤثِّرة على تحديد اتجاهات الرأي العام.. فكان الموقف بكليته إدانةً وذماً وتحذيراً من نتائجه.. وكانت مجمل الآراء استنكارية تدعو للاصطفاف ضد هذه الأفعال الإجرامية.. ولا غرابة في ذلك فالحادث شنيع والمجرم يريد تفجير الوطن من الداخل.. فماذا نحن صانعون؟

لكن وقبل الدخول في محاولة إجابة السؤال السابق دعونا نحاول إجابة هذا السؤال: ماذا لو أن المجتمع كان جاهزاً للصراع.. هل كان حادث الأحساء سيطلق شرارة البدء للاحتراب الداخلي وفَقْد السِلْم الأهلي.. أي هل كان الحادث سيجد البيئة الخصبة لتحقيق مآرب الإرهابيين؟.. لكن والحمد لله أن مجتمعنا كان محصناً بما يكفي لتلك الحادثة لذلك صارت ردود الفعل إدانة مطلقة ونبذاً للصراع.. وسررنا جميعاً بنجاح الأمن في القبض على المجرمين.. بل إن أهالي أفراد الأمن الذين استشهدوا في مطاردتهم لأولئك المجرمين لم يقيموا مجالس عزاء، بل كانت مجالس تهنئة لإيمانهم بأن أبناءهم نالوا كرامة الشهادة وشرف حماية الوطن.

أعود إلى السؤال الأول وأجد أنه قبل عشرة أعوام تقدّم الملك الصالح بمبادرة عدها الكثيرون حينها فكرة مثالية لكن لن تستمر طويلاً.. واتضح اليوم أنها مبادرة إصلاحية ذات أهمية قصوى وضرورة وطنية ملحة ظهرت نتائج غيابها في الدول الشقيقة المجاورة التي بدأت الآن بالدعوة للحوار بعد انفجار براميل البارود في مدنها والدخول في حرب أهلية.. بينما نحن أقمنا له قبل عشرة أعوام مركزاً ووضعنا له أطقم عمل ونفذنا له برامج وفعاليات جعلت من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني منبراً شامخاً لصناعة الحوار ونشر ثقافته ورفع قيمته وغرسه كمفهوم حيوي لنماء المجتمع.. ولنا أن نفخر بأن إقامة هذا المركز لم تكن وليدة ضغوط خارجية أو نتيجة أحداث داخلية.. بل بمبادرة استباقية تدل على رؤية حكيمة حفظت السِلْم لمجتمعنا.. بينما المتابع لكل ما يدور في الدول الأخرى حولنا يجد أن الدعوات تترى للحوار لكنها كلها للأسف دعوات تأخرت حتى وقع الفأس في الرأس.. فقد جاءت بعد فوات الأوان.. وأصبح الحوار حالة من التفاوض والتنازل.

الحوار هو المقابل للصراع وهو وسيلة للبحث عن المساحات المشتركة بهدف التعاون والتكامل حتى يصبح طريق التعايش سالكاً ميسراً.. ويتعامل الناس مع بعضهم البعض من منطلقات المصلحة العامة لا المذهبية أو العرقية أو المناطقية.. وينظر جميعهم إلى المستقبل لا الماضي.. فالحوار هو استكشاف وتعرُّف وتفهُّم واقتراب برغبة البحث عن المشتركات لبناء المستقبل.. وهو ثقافة يمكن أن يُعْليها المجتمع فيجعلها قيمة عليا أو يقصيها فيجعلها بمصاف التنازل ويتخذها وسيلة للتناحر والتنافر والدمار.

يجب أن نعزِّز من ثقافة الحوار حتى يبقى مجتمعنا عصياً وحصيناً على هؤلاء.

مقالات أخرى للكاتب