14-11-2014

صفقة مسقط بين واشنطن وطهران

توقفَ وزير الخارجية الأمريكية جون كيري في مسقط، وأجرى محادثات في المطار مع وزير الخارجية العمانية يوسف بن علوي، لتحريك المفاوضات بين إيران وأمريكا والاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاق يُمهِّد لإغلاق الملف النووي الإيراني، وسط أحاديث إيرانية عن تقديم تنازلات نووية.

مفاوضات مسقط التي جرت خلف أبواب مغلقة تُنبئ عن مقايضة أمريكية - أوروبية مع إيران تتضمن صفقة سياسية أمنية تُؤجل البرنامج النووي الإيراني الهادف إلى إنتاج أسلحة نووية، مقابل تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، وقد رافقَ عقد المفاوضات الكشف عن تبادل رسائل سرية بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومرشد تصدير الثورة الإيرانية علي خامنئي والتي عرض فيها أوباما وفق ما رُشح من أنباء نشرتها الصحف الأمريكية، تعزيز نفوذها في المنطقة العربية مقابل وقف نشاطها النووي، أو تأجيل برامج التخصيب الهادف إلى توفير وقود نووي، والتخلي عن رأس النظام السوري بشار الأسد، ومع أن الصحف الأمريكية لم تكشف المزيد من الصفقة الإيرانية - الأمريكية، إلا أن المعلومات الأولية تشير إلى أن العرض الأمريكي يعرض على طهران صفقة شبيهة بما حصل مع دمشق، والمتمثّلة بنقل الأسلحة الكيماوية خارج الأراضي السورية، والعرض الأمريكي يقترح نقل الكميات عالية الخصوبة من تخصيب اليورانيوم إلى روسيا، وفق ترتيب شبيه بما تمَّ مع الأسلحة الكيماوية رغم عدم التنفيذ الكامل والأمين بالنسبة للأسلحة الكيماوية السورية، ولهذا فإن الإيرانيين قد يقبلون بهذا الترتيب ولهم وسائل عديدة للتحايل، وهو ما أشار إليه الرئيس الإيراني روحاني في حديثه عن تنازلات نووية، والمقابل الذي سيحصل عليه النظام الإيراني هو تعزيز نفوذه في المنطقة العربية، إلا أن الأمريكيين والأوروبيين يصرون على إبعاد بشار الأسد الذي لم يعد يُحظى بالقبول من الغربيين جميعاً، وبعدم الشرعية من قِبل الشعب السوري، ويناور الإيرانيون على أن يكون البديل من نفس طبيعة النظام وبطريقة شبيهة بما حصل في العراق باستبدال نوري المالكي بشخصية سياسية من حزبه، ولكن أكثر تفهماً للمتغيرات في المنطقة وأقل طائفية منه.

وتشير المؤشرات إلى أن الإيرانيين قد يوافقون على هذه الصفقة خصوصاً أنها تبقي نفوذهم في سوريا عبر بديل مقبول لديهم، وأنهم وإن أظهروا (صخباً) تفاوضياً إلا أنه ليس موقفاً عدائياً ونهائياً، وأنهم تلقفوا رسالة أوباما الأخيرة للمرشد ويتعاملون معها بمرونة، وإن لم يظهروا ذلك للرأي العام الإيراني لاعتبارات خاصة بهم، ولا يريدون أن يكشفوا زيفهم بالزعم بأنهم أصحاب مواقف مبدئية وبالذات في العلاقة مع أمريكا التي كانت وإلى حد قريب تسميها بـ(الشيطان الأكبر) وربيبتها إسرائيل التي لم تُوقف تعاملاتها مع إيران وإن كان بصورة غير معلنة، ورسالة أوباما للمرشد التي اعتبرها العديد إن لم يجمع المراقبون عليها أنها انحيازاً واستمراراً لسياسة أوباما السلبية للعرب، وأنه إذ يطلق يد النظام الإيراني في المنطقة العربية بالرغم من شبهات الإرهاب المرافقة لنظام إيران، وهذا الانحياز الأمريكي والغربي لإيران ضد المصالح العربية، يُلغي ما يُتداول من صفة التحالف الأمريكي مع دول المنطقة، فالصفقة الحالية التي يزمع الأمريكيون عقدها مع النظام الإيراني والتي جعلت المصالح العربية (فوق الطاولة) بعد أن أبعدت الدول العربية ذات العلاقة عن طاولة المفاوضات، وقد أدى الغياب العربي إلى النتيجة المتوقعة والتي ستؤدي إلى تغوُّل وسيطرة المصالح الإيرانية على حساب المصالح العربية في الأراضي العربية، وهو ما يفرض على العرب وبالذات دول الخليج العربية مراجعة إستراتيجيتها ونوعية التعامل مع القوى التي أبرمت هذه الصفقة، رامية بكل المكاسب التي جنتها والتي لا تزال تجنيها مع علاقتها مع الدول العربية.

jaser@al-jazirah.com.sa

مقالات أخرى للكاتب