باحثون ومتخصصون في مجالات علمية مختلفة يؤكدون لـ«الجزيرة» (1 - 3)

خروج الأمة من الضعف والتفرق يحتاج إلى رؤية واستراتيجية وإرادة قوية

الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:

تواصل صحيفة «الجزيرة» فتح ملفات عدد من القضايا الإسلامية المعاصرة، وعرض بعض من واقع وأحوال العالم الإسلامي اليوم من خلال استطلاع آراء لفيف من الخبراء والأكاديميين، والمتخصصين في مجالات العمل الإسلامي.. وفي بداية صفحة ملفنا الجديد عن تشخيص واقع الأمة الإسلامية اليوم، وما تعانيه كثير من دولها من اضطرابات وأزمات، طرحنا مجموعة من التساؤلات على عدد من الباحثين والمتخصصين في مجالات وتخصصات علمية وبحثية مختلفة حول واقع الأمة، وعن كيفية معالجة مثل هذه الأوضاع، والسبيل الأمثل للخروج بأمة الإسلام من الشتات والفرقة إلى وحدة الصف، واجتماع الكلمة.

التشتت والضعف

في البداية، قال الدكتور محمد بن أحمد سالم أحمد أستاذ وخطاط وباحث في مجال التراث المخطوط خطاط أول مصحف موريتاني مطبوع ومصاحف أخرى بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي: إن الفرقة والتشتت والضعف والأزمات والاضطرابات التي يعاني منها العالم الإسلامي اليوم هي واقع مُر لا تخطئه العين، ولا يخفى على كل من له اهتمام بقضايا المسلمين. وقد كثرت الآراء حول أسباب ذلك الواقع وطرق الخروج منه. وباختصار، فإنني أرى أن السبب الرئيسي لهذا الواقع يرجع إلى ابتعاد المسلمين عن دينهم، وفي عودتهم إلى التمسك به على منهج الكتاب والسنة، والتسلح بالعلم والمعرفة، والترفع عن الخلافات ونبذ العنصرية والطائفية وكل ما يؤدي إلى التشتيت والتفرق، يكمن المفتاح الحقيقي لحل كل هذه المشاكل والأزمات، وهو السبيل إلى الاجتماع والائتلاف والارتقاء بالأمة الإسلامية إلى المكانة اللائقة بها في أمور دنياها ودينها، ولن يصلح آخر الأمة إلا بما صلح به أولها.

تحليل الحرام

أما الدكتور مصطفى جاد الحق محمد مصطفى أستاذ علوم الحاسب في كلية علوم الحاسب والمعلومات جامعة عين شمس ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع فقال: إن مثل هذا السؤال يثير الكثير من الأفكار والأشجان على حال الأمة الإسلامية الآن. ولكن يمكن تلخيص تلك الأفكار في تشخيص حالة الأمة في آية واحدة ألا وهي، قال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}، والهجران هنا ليس ترك الاعتناء به، ولكن هجران العمل به، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم «قرآنا يمشى على الأرض» كما أخبرت عنه السيدة عائشة - رضي الله عنها -.

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: (لقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وسنة نبيه). فلو أخذنا بالقرآن والسنة حق الأخذ بهما ما آلت أحوالنا إلى ما نحن فيه الآن من فرقة وتشرذم وتناحر وتقاتل على فتات الدنيا الفانية. وهذا الفساد الذي ظهر في الأرض ليس إلا نتيجة لما كسبت أيدي الناس من تحليل الحرام تحت مسميات أخرى، مثل الربا الذي توعد الله من لم يتركه بحرب منه ومن الرسول، فهل يمكن أن تقوم للأمة قائمة بعد حرب كهذه. أصبحنا نستهين حتى بوعيد الله الذي لا يخلف وعده.

وقال: إن الخروج مما تعاني منه الأمة الآن لن يكون إلا بالعودة إلي التمسك بكتاب الله وسنة نبيه بحيث يكون الكتاب والسنة هما منهج الحياة التي نحياها، وهما المرجع لكل حركات وسكنات الأمة. ويمكن الوصول لهذا من خلال تفعيل دور المؤسسات والمنظمات التي تعمل على إيجاد إطار لتوحيد الأمة - على الأقل - على غرار الاتحاد الأوروبي.

ومن أهم السبل والوسائل التي يمكن الاستعانة بها للعودة إلى كتاب الله وسنة نبيه وتوحيد الأمة.. التعليم. فيجب أن تقوم تلك المؤسسات والهيئات بوضع إستراتيجية تحقق تلك الأهداف من خلال برامج تعليمية هدفها تعليم سباب الأمة الدين الحق وكيفية الحياة بهما وحق الأخذ بهما.

النظرة الإيجابية

وقالت د. آمال رمضان عبد الحميد صديق باحثة بكرسي الأمير سلمان بجامعة أم القرى: ليس هناك أعظم من تدبر قوله تعالى: { وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}، فعناصر القوة هي طاعة الله ورسوله، والاتحاد وعدم التنازع، والصبر.

واسترسلت قائلة: إن النظرة الإيجابية والأمل من الأمور المهمة أيضاً، فنحن لابد أن ننظر إلى الجزء المملوء من الكأس لنتم باقيه، لا أن ننظر للجزء الفارغ منها ونقول لا أمل. مع الاتفاق على أن طاعة الله تعالى هي أهم ما يدخره العبد للقاء الله.ليس بالضرورة أن نصل إلى نهاية الطريق، بل نموت ونحن عليه غير مفتونين، اللهم اجمع شمل الأمة، واكتب لنا أن نلقاك وأنت راض عنا.

التمزق السياسي

أما د. أنور محمود زناتي الأستاذ بجامعة عين شمس بمصر فقال: مما يؤسف له أن مجتمعنا الإسلامي يعيش اليوم في واقع مؤلم لا يحسد عليه، والنظرة الأولية لواقع أكثر بلداننا الإسلامية يعطينا واقع التمزق السياسي والتفرق المذهبي، والتشاحن والخلاف، بل وصل أحيانا إلى حد التنازع والتقاتل، ومن ثم التخلف العلمي، والضعف الاقتصادي، والانقسام حسب الرغبات والأغراض التي مزقت العالم الإسلامي، وأصبح الدستور الإلهي لصلاح الإنسان - وهو كتاب الله القرآن - من حظ الأموات ليتلى عليهم، ومن حظ الألحان والموسيقى ليتغنى به. ولذلك نظر العالم غير المسلم إلينا من خلال هذه الصورة المشوهة لحقيقة الإسلام وجوهره، فاعتقد العالم أن الإسلام هو السبب في هذا التخلف والقهر، والضياع والفقر.

كما يعاني العالم الإسلامي من عدم عناية معظم الدول الاسلامية بالمعرفة، والمعلومات، والتقنية والانفتاح الأعمى على قشرة الحضارة الغربية وعدم الحفاظ على الأسس والقواعد الدينية.

وأكد ان مشاكل العالم الإسلامي في ازدياد مطرد من: تزايد أعداد العاطلين عن العمل يومياً، مروراً بالأخطاء الاقتصادية المتكررة، وليس أخيراً: تضاعف نمو الفقر والجهل والمرض في كل مكان من عالمنا الإسلامي، كما يعاني العالم الإسلامي من عدم تبني معظم الدول الإسلامية للفكر الاستراتيجي في التخطيط لمستقبل دولهم ولعالمهم الإسلامي برغم توافر كل عوامل النهضة من هذا السقوط المريع، كما يعاني العالم الإسلامي أيضا من مشكلات متعددة منها ما هو داخلي متمثلة في العصبيات الدينية بين المسلمين وغير المسلمين. والعصبيات المذهبية بين المذاهب مثل السنة والشيعة والعلويين والوهابيين والاباضيين والمالكيين وما إلى ذلك.

والعصبيات الاتنية بين المجموعات الكبيرة وتلك الصغيرة. مثل الأكراد والبربر وما إلى ذلك. والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية الناتجة من الاختلال في توزيع الثروات وانتشار الفقر ومن الفساد المستشري بجانب التخلف العلمي والتقني. وواصل القول: كما يعاني العالم الإسلامي من مشكلات بين الدول الإسلامية نفسها وهي ناتجة عن الخلافات على ترسيم الحدود أو التنقيب عن النفط والغاز برا وبحرا أو على تقاسم المياه العابرة للحدود أو التي تحد بين دولتين أو أكثر. أو تدخل دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى عبر دعم مجموعات معينة داخل الدولة الأخرى لأسباب مختلفة.

أو التنافس بين الدول من اجل الهيمنة لأسباب أيضا متعددة.

وهناك مشكلات بين دولة إسلامية وأخرى غير مسلمة خاصة مع وجود الكيان الصهيوني وهي جميعها تشكل تحديات كبرى أمام العالم الإسلامي فما الحل؟ في البداية لا بد لنا من تشخيص الداء، لكي نصل إلى معرفة الدواء، ونرى أن السبب يرجع إلى الابتعاد عن منهج الله بل وتعمد مخالفته في كثير من الأقطار الإسلامية وعدم اتخاذ الإسلام مصدراً أساسيا للتشريع إلا ما رحم ربي، وهجرة العقول المسلمة والطاقات الفعالة إلى البلاد غير الإسلامية.

ومضى د. أنور زناتي يقول: مشكلتنا في عقولنا وأرواحنا، فعقولنا علاها الغبار وتوقفت عن الإبداع العلمي والتفكير المنهجي بسبب تضخيم ما أنتجه السابقون، فتبلّدنا علمياً، وأرواحنا فقدت انطلاقتها وإيمانها برسالتها، فابتلينا بضعف الهمة وقلة اليقين، وكانت النتيجة تراجعا تدريجيا على مستوى الحياة الخارجية، وشيوع مظاهر التمزق. وأما الإرادة السياسية الداخلية والمؤامرات الخارجية فبسبب الانهيار العقلي والروحي وجدت لهارضاً خصبة لتمرير خططها، وبالتالي لو استطعنا أن نعيد الحياة للعقل والروح لتغيّرنا نحو الأفضل. فالروح (يزكيهم)، والعقل (يعلمهم الكتاب والحكمة) هما الجوهر في معادلة التقدم والتأخر، والانتصار والهزيمة، وما عداهما قشور تتأثر بطبيعة التغيرات الطارئة على الجوهر. وأعرب عن يقينه أن العالم الإسلامي لم يسقط ولدينا جوانب مشرقة، تحتاج إلي تعزيز، والدين الإسلامي العظيم ومع كل هذه المشاكل، ومع كثافة الأعداء والظلمات، ما يزال والحمد لله عظيماً بمبادئه. ولدينا جوانب مظلمة، تحتاج إلى علاج. ولنا في التاريخ الإسلامي، وفي أولئك الذين صدقوا الله في أعمالهم الدروس والعبر، فلقد نُكب المسلمون في حروبهم مع أعدائهم من الصليبيين والتتار بسبب ما كانوا عليه من التخلف والتفرقة بأعظم مما هم عليه في العصر الحديث.

ولكن بظهور المجددين من علماء هذه الأمة، كان العالم الإسلامي يعود أعز وأقوى مما كان. وأكد أن الشعوب الإسلامية المعاصرة وبأكثريتها الساحقة، متمسكة بإيمانها التقليدي، غيورة عليه، وإن الظلام مهما تكاثفت غيومه وسحبه فإن عود ثقاب واحد مضيء كفيل بطرد الظلمات والقضاء على كل ساحات الظلام؛ فإذا أشرقت شمس القرآن، وبزغ قمر هدي النبوة المحمدية، ففي لحظة سينقلب الليل نهاراً والظلمات أنواراً.. فكم رأينا من ملاحدة كبار، بل من فلاسفتهم ومفكريهم، قد انحازوا إلى صف الإسلام جنوداً هداة، وانضموا إلى قافلة الإيمان إخواناً دعاة، وبحوار بسيط مع عالم حكيم أو مع داعية للإسلام عليم فكيف لو كان هناك منظمة إسلامية عالمية، تملك الإمكانات العلمية، والمواهب الروحية، والطاقات الفكرية، والوسائل التي تحتاجها الدعوة (مادية ومعنوية)؟ كيف لو تهيأ الدعاة الأكفاء، وضمنت لهم كل الوسائل اللازمة للبلاغ المبين، كما لا يمكن لهذه الأمة النهوض إلا برعاية علمية شاملة ترى أن العلوم كلها فروض كفاية، وقد تهيأ العالم اليوم لاعتناق الإسلام بعد سيطرة حكم العقل والعلم، وفتحت العقول أبوابها مرحبة به، وعُبِّدت الطرقات لوصول الإسلام إلى الأفئدة والقلوب بهدية وأنواره، بعلمه وعقلانيته، بحقيقته وواقعيته، بل وأعتقد بأن القرن الحادي والعشرين سيكون عصر الإسلام العالمي، وعصر الإخاء والسلام العالمي. وطالب الدكتور زناتي بتفعيل دور العلماء الدعاة ومسئول عن ذلك حكومات العالم الإسلامي، هذه الدعوة أمانة في أعناقهم فإن أكثر علماء الدين الإسلامي يضعون المسؤوليةعلى عاتق الحكومات وحدها في واقع تردي حال المسلمين وتخلفهم، ولا شك أن هناك مسؤولية كبرى على الحاكم المسلم، حيث إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. لكن مسؤولية علماء المسلمين أعظم، وتقصيرهم أكبر، لأنهم هم الدعاة، وهم المهندسون البناة، وهم المعلمون الحكماء، لقد سجل لنا تاريخ علماء المسلمين وقائع مضيئة عن جهادهم في الدعوة إلى الله، وفي خلاص المسلمين في أشد محنهم. وقال: المسؤولية إذن مشتركة؛ فالحكومات مسئولة عن ضعف المسلمين، والعلماء مسئولون عن جهل المسلمين وتخلفهم، فعلى الفريقين أن يتلاقيا ويتعاونا.

ونرى ضرورة إيجاد الأرضية الصالحة لتطبيق أحكام الله، فالواجب يقضي على من يملكون الوسائل أن يهيئوا لحكماء وعلماء المسلمين العاملين المخلصين الذين يرجون الله والدار الآخرة البعيدين عن التعصب والجمود، العارفين بزمانهم ومكانهم، أن يقدموا لهم ما يملكون من الوسائل، وهم بالمقابل يقدمون ما يملكون من طاقات، ضمن برنامج محدد الزمان والخطوات والواجبات؛ لتنقلب الأمنية رجاءً محققاً، والغاية حقيقة ملموسة مشاهدة. وإلا فسيبقى العمل نكسة، والجهد والجهاد كارثة ونكبة، وما دروس معارك أحد وحنين عنا ببعيد.

وشدد على أن العالم الإسلامي اليوم بحاجة إلى ثورة تثقيفية تحررية، تحررهم من الجمود والتفرقة المذهبية، هم بحاجة إلى ثقافة وفقه إسلام الحياة، إلى فقه القرآن والسنة؛ علماً وعملاً، أخلاقاً وسلوكاً، قلباً وقالباً، ولابد من السعي الجاد لحل المشكلات بين الدول الإسلامية يبدأ من حل المشكلات داخلها. والتخطيط العملي والفعلي لمستقبلنا لأننا للأسف أمة لا تخطط لحاضرها فضلاً عن مستقبلنا، مضيفاً من الغريب أن عالمنا الإسلامي على كبره واتساع رقعته، وكثرة أعداده، يفتقر إلى مراكز دراسات إستراتيجية مؤثرة، تخطط للحاضر والمستقبل، وهو أحد أسرار تخلف العالم الإسلامي؛ بيد أن أي تقدم يحتاج في البداية إلى تخطيط استراتيجي، فلا يمكن لأمة من الأمم أن تتقدم حضارياً بدون رؤية إستراتيجية، أو خطة مخططة بدقة.

وقال: إنَّ أكبر مرض وأشدّ خطأ نعاني منه اليوم هذا التفرّق والتمزّق الذي صنعناه بأهوائنا وأيدينا ولذلك لابد من البحث عن سبلٍ لتغيير الذهنية السائدة الدينية والمذهبية والاثنية هو من أهم المهمات التي تتطلب التصدي لها ولا سيما من جانب مراكز البحث والدراسات ووسائل الإعلام، وهذا يتطلب جهودا هائلة ولا سيما من جانب المؤسسات الدينية والتربوية في المؤسسات التعليمية أيضا.

ولابد من ابتعاد العالم الإسلامي عن سياسات المحاور والإستقطابات الدولية وتغليب المصالح الإسلامية أولا هو من شروط تجنيبه لمخاطر خارجية وعداوات الآخرين. ولابد كذلك من استثمار سبل ظهور ما يمكن أن نسميه القادة المجددين الملهَمين الذين يقودون الأمة إلى سبل الخير والصلاح.

وأكد د. أنور زناتي على ضرورة استفادة الأمة من مواردها المادية والبشرية وطاقاتها الروحية في عملية الاحتشاد في مسار النهضة ولابد من مراجعة تاريخية ونقدية ننهض بها حول واقع ومصير ومستقبل العالم الإسلامي , بحثاً في الجذور, وتوغلاً في الأسباب, وبقصد توخي الشمولية في النظر والتحليل.، فلا سبيل للخلاص أيضا إلا بنبذ السطحية والجمود والخرافة، تأسيس قواعد التعاون والوحدة الإسلامية. فوحده النهوض الحضاري هو جسر عبورنا للتخلص من براثن التخلف والانحطاط والاستبداد.

إن القراءة الواعية للسيرة النبوية الشريفة في هذا السياق يمكنها أن تساعد الأمة في تجاوز آثار تاريخ الاستبداد، وفي مواجهة الآراء المحافظة المتزمتة، كما تؤصل لتوجهات الإصلاح والتطوير، نرى أيضا ضرورة استخدام وسائل متجددة في الدعوة، حتى متعدد القنوات الفضائية، لأن تحديد دور وموقع ورسالة العالم الإسلامي ومؤسساته الثقافية والفكرية في العالم اليوم هو مدخل أساسي لفرض حضوره وممارسة تأثيره في العلاقات والصراعات الدولية وبقائه خارج التهديد.

وانتهى إلى القول: إن التشخيص السليم والشجاع للمشكلات التي يعاني منها عالمنا الإسلامي والسعي الجدي لحلها هو المدخل الوحيد لاستقراره وتقدمه من جهة ومواجهة التهديدات والتحديات الخارجية من جهة أخرى.

والمسلمون، الذين كانوا يوما رواد الحضارة في العالم، متى امتلكوا الإرادة الحرة والمستقلة والتصميم لفرض حضورهم وتأثيرهم في المعادلة الدولية، قادرون أن يستعيدوا دورهم المميز وريادتهم الغابرة ويكونوا مدماكا في تقدم الإنسانية. فالأمل كبير في الصحوة الإسلامية الحديثة أن تعيد مجد الإسلام وتقود الحضارة الإسلامية العظيمة لتملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً.

قبول الآخر

وقال د. عمرو جمعة عضو هيئة التدريس في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة: إن وحدة الأمة واجتماع كلمتها تكون بقبول الآخر والانفتاح على ثقافته والاستفادة منها لا أن يظل كل قطر من أقطار الإسلام منعزلا منغلقا على نفسه، بل بمزيد من التعارف المأمور به في القرآن الكريم تتحد الأهداف وتتوحد الغايات.

مرجعية ثابتة

أما د. فادي بن محمود الرياحنة أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك بجامعة طيبة فقال: إن الخروج من حالة شتات المسلمين أمر يقع على كاهل قادة الأمة ومفكريها ولا يكون هذا الخروج إلا بمرجعية ثابتة تتحدد بها الأمة وتنطلق بها نحو نهضتها، وهذا المرجع هو الوحي المتمثل في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله وعلى نهج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}. وشدد على أهمية أن يجتمع علماء الأمة على كلمة سواء وان يصدعوا ببيان الحق فإن أنكى ما شتت الأمة وأضعفها هو تفرقها في الدين ولبس الحق بالباطل واستخدام الدين لتحقيق المطامع فاستبيحت لأجل ذلك الدماء ودمرت البلاد وشرد المسلمون قال تعالى: {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.

الخروج على الأنظمة

ووصف د. محمد شفاعت رباني الباحث العلمي الأستاذ المساعد بمركز الدراسات القرآنية بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة واقع العالمَ الإسلامي اليوم بأنه مؤلمٌ جداً لما يعانيه من اضطرابات وأزمات، ومعالجةُ الأزمات والاضطرابات تكون بالتزام الدول الإسلامية بإرضاء الله تعالى، وذلك بتطبيق شرعه، وبذل المعروف، ونشر العدل، والقيام بواجباتها المنوطة بها، هذا من جانب، ومن جانب آخر تكون المعالجة بالتزام الرعية بشرع الله تعالى، وعدم الخروج على الأنظمة اتباعاً لمناهج غير إسلامية، وانتصاراً لأهواء حزبية ضيقة.

وقال: إن المخالفاتُ الشرعية إنما تعالج بالشرع لا بالعواطف، مع تغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، كما دلَّ على ذلك الكتاب والسنة، وما كان عليه الصحابة والتابعون وسلف الأمة، قال الإمام مالك رحمه الله: «لن يُصلِح آخرَ هذه الأمة إلا ما أَصلحَ أولَها»، وقال: «ما لم يكن يومئذ دِيناً فلا يكون اليوم دِيناً».، فإذا وفت كل دولة بالتزاماتها حسب الاستطاعة، وتعاونت مع غيرها على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، فحدِّث عند ذلك عن صلاح الحال ويأس الأعداء من النيل من قناة الأمة الإسلامية, وتأبِّيها من ضرب بعضها ببعض.

وأكد أن السبيل الأمثل للخروج بأمة الإسلام من الشتات والفرقة هو ما أرشدنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم من تحقيق الإيمان بما تقتضيه الكلمة من معان من: الاستسلام لله تعالى والانقياد لأوامره، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلَّم ، وعند تحقيق هذا المعنى علماً وعملاً يترتَّب عليه إعلاء كلمة الله، وغلبة المؤمنين، ونصر الله القويِّ العزيز لهم، كما وعد الله بذلك في آيات كثيرة، منها: قوله تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، وقوله تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}، وقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}، وقوله تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.

التمسك بالقرآن والسنة

أما الدكتور محمد مستقيم بن محمد ظريف محاضر بكلية دراسات القرآن والسنة الأستاذ المشارك بجامعة العلوم الإسلامية الماليزية فقال: الإسلام دين الرحمة، أساسه التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، ومصدره القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو الذي يجمع الأمة كلها ويعطيها القوة. والمسلمون اليوم يعرفون ذلك لكنهم مع ذلك لا يطبقون كل ما أمرهم دينهم فتشوبهم مشاكل وأزمات من الداخل والخارج كما قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، وقوله عز وجل: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}، والهجوم عليهم من قبل الأعداء أشد مما سبق من شتى الجوانب الفكرية والعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وغيرها.

ورأى الدكتور محمد ظريف أن الأساس في توحيد الأمة يرجع إلى سلوكنا وموقفنا في مواجهة تلك التحديات. فالعلم ضروري ولكن لا بد أن يرافقه الإيمان والإخلاص وحسن الأدب. فلنركز على الأصول ونتسامح بالفروع ونتجنب عن التخطئة والاختلافات والمنازعات فيما بيننا بدون الحاجة. وفي نفس الوقت نتمسك بالقرآن الكريم وبسنة نبينا المطهرة كالدستور ونقتدي بأسلافنا في مواجهة الأزمات والمشاكل فيما بيننا وبين الآخرين. فحسبنا التاريخ وتراثنا الديني والعلمي الثراء لمن يريد أن يتعلم ويتدبر!

العلم الرسيخ

أما د. رضوان لخشين أستاذ مادة التجويد والقراءات في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة الجزائر فقال: إننا أمة ذليلة أعزها الله بالإسلام، والطاعة، والتوحيد والسنة، فمهما ابتغينا العزة، فأي الإسلام في حياتها؟، أمة مفترقة جمعها الله بالقرآن الكريم، والهدي النبوي القويم: فأي استمساكنا بهما، أمة أمية أول ما شرع في دينها: (اقرأ)، فأي القراءة فينا، أمة أخلاق، وفضيلة، تهاوت في مراتع كل رذيلة. وقال: إن أسباب ضعف الأمة الإسلامية كثيرة منها ما هو من صنع أيدينا، ومنها ما حيك بأيدي أعدائنا، وبالتي صنعته أيدينا أثرت الأخرى علينا. وسبيل الخلاص واضح، توحيد صحيح يجمع الكلمة، ويقوي اللحمة، تقوى تحمل العام والخاص على مجانبة الهوى، وإيثار الآخرة على الأولى.