19-11-2014

لم أكن أغني!

لم أكن أغني..

وليست الأجواء أجواء غناء أبداً لكنها أجواء حزن وأسى يشبه البكاء إلا قليلاً..

ثمة حقيقة مؤكدة وهي أن بلادنا تعاني جفافاً واضحاً وأننا نعشق المطر عشقاً لا يضاهيه عشق، لكننا في الوقت ذاته لسنا محرومين منه، هو يأتي لزيارتنا ما بين الفترة والأخرى فتخفق له قلوبنا وتضيء له جوانحنا..

من أين أبدأ الحكاية؟ في الأيام الماضية كنت في مكة، عصر الجمعة كان جميلاً مبهجاً حين غمرت السماء سحابة مظلمة، ثم بدأ المطر، كنت في الدور العاشر وقد هبطت سريعاً للاستمتاع بالمشهد، لم أكن وحدي، بل رأيت أفواجاً من النساء والأطفال والرجال يتسابقون إلى الساحة الخارجية للحرم، كما فعلت أنا تماماً كان فرحاً طفولياً أشبه بفرحة العيد.

هدأت الرياح، خفَّ الضجيج، توقف المطر لكنه ترك بصماته حنيناً يتردد خفقاً في الصدور..

...

** في جدة، مشهد آخر:

منذ زمن لم أقض وقتاً في جدة، بعد حادثة السيل الشهيرة، أعترف بأنني لم أعد أميل كثيراً إليها فقد أصبحت حزينة ذابلة تنتظر من يعيد إليها ألقها وجمالها.. لكن الذي حدث أنني أمضيت فيها بعض الوقت..

خرجت أنا وصديقتي من «المول» الكبير، الوقت ضيق ورحلتي سوف تكون في الثامنة مساء، كانت الساعة تشير إلى السادسة حين انطلقت بنا سيارة الليموزين بهدوء، وصلنا إلى الماء المتجمع في أحد الشوارع الفرعية، أمام إحدى الفلل الكبيرة، شيئاً فشيئاً أخذ السائق يبتهل إلى الله ويسأله اللطف في قضائه، هناك تجمع مائي كبير أشبه بالبحيرة، هذا الماء تشكَّل فقط عند هطول المطر لمدة لم تتجاوز العشر الدقائق وإن بالغت كثيراً فربما تكون ربع ساعة، السائق يشعر بالقلق والوجل ونحن في حالة أخرى لسنا بأفضل منه، فجأة توقفت السيارة، أه توقفت السيارة..

كدت أبكي، لحظتها استعدت مشهد أهل جدة في عام 2009 أي منذ حوالي خمس سنوات، لقد عاشوا رعباً وأوقاتاً صعبة لا يحسدون عليها، تجربتي هذه لا تعد شيئاً حين أستعرض ما حدث لهم.. المفارقة أنني أخذت أستعيد كلمات الأغنية واحوّرها (وأنا ما عندي تجربةٌ في الحب ولا عندي زورق..) ثم أحورها وأستبدل كلمة الحب بـ(السيل)..

أقبل أحد المارة أصبح يساعد ويشارك السائق في دفع السيارة بيديه وهما وسط الماء، بعد قليل أيضاً أقبل صاحب سيارة «وانيت» على ما أعتقد وأخذ يدفع بالسيارة من الخلف..

لن أضيف شيئاً، لكنني أتساءل ما الذي فعله المسؤولون في موضوع مشروع تصريف الأمطار في جدة، ما هي الخطوات التي تم اتخاذها، ولماذا بعد خمس سنوات لا تزال جدة تغرق فقط جراء بضع ملليمترات من المطر؟ ولماذا لا يتم إعلان ما تم إنجازه بهذا الشأن للمواطنين؟ أليس من حقهم أن يستقبلوا المطر بفرح بدلاً من مشاعر الهلع التي تجتاحهم حتى الآن كلما لمحت أعينهم ظلال غيمة صغيرة؟

مقالات أخرى للكاتب