19-11-2014

برنامج لرعاية الإذاعيين والإعلاميين المتقاعدين!

ولئلا تتكرر القصص المؤلمة للأجيال السابقة مع الأجيال اللاحقة؛ فإن من الضرورة استحداث آلية دائمة تكون نظاما تعمل به وزارة الإعلام أو هيئة الإذاعة والتلفزيون، والنظام الذي يحسن أن يستحدث هو «برنامج رعاية من يحال على التقاعد من الإذاعيين أو الإعلاميين» ويشتمل على المساعدة في توفير السكن لمن لم يستطع تملك سكن، وتوفير مرتب تقاعدي ملائم، ورعاية صحية دائمة على مستوى عال.

إن هذا البرنامج حين يستحدث ويدعم من جهات عليا في الدولة تتابع وتهتم بالصورة الإعلامية لبلادنا وبأوضاع رموزها والفاعلين المؤثرين في صناعتها؛ فإنه سيكون لمسة وفاء وتقدير وعرفان لكل من خدموا الإعلام، وستفيد منه الأجيال التالية التي ستمر حتما - لمن منحه الله عمرا مديدا - بفترة التقاعد والشيخوخة وسيحتاج كثيرون منهم إلى رعاية هذه الجمعية المقترحة.

وأضرب لكم مثلا عن الصورة المؤلمة التي تنتهي بها صلة الإذاعي بالجهاز الذي أفنى عمره فيه من خلال ما مر بي بعد أن قررت الانتقال إلى الجامعة عام 1430هـ:

فقد شعرت بشيء من الامتعاض والألم الذي تآكل في أفئدة أساتذتي الذين سبقوني إلى التقاعد أو الانتقال إلى عمل آخر؛ حين طلب مني الموظف المسئول عن بطاقات الدخول إعادة ما في محفظتي منها إليه؛ لينبت آخر خيط صغير رقيق يربطني ويذكرني ببيت عشت بين أكنافه ثلاثين عاما!

كم هو مؤلم حد النزف أن تشعر أن العلاقة التي كانت تربطك بالمكان كانت علاقة جماد بجماد، لا كائن حي بكائن حي ينبض ويشعر ويحس ويتألم ويفرح كما تتألم وتفرح! ربما كان هذا الألم بسبب مفهومنا الساذج الساكن في جوانحنا كجيل تربى على الانتماء إلى كل التفاصيل الدقيقة في البيت الذي سكناه وآوانا؛ فلم نكن مستأجِرين ولا مستأجَرين؛ بل أهل دار؛ بنينا فيه أمشاجنا وأنفاسنا وزهو شبابنا ولحظات أفراحنا وأحزاننا وأحلامنا التي كانت بحجم الكون، لم نكن ندري أن يوما أغبر سيرمي بكل ذلك التاريخ إلى سلة النفايات بجرة قلم متعجلة!

لم نكن نعلم أن علاقة المكان الوظيفي بالإعلامي لا تختلف كثيرا عن علاقته بعامل مغمور مجهول الاسم واللقب والتخصص مستقدم من أقاصي الشرق في شركة صيانة أو مقاولات!

إن جمعية رعاية المتقاعدين من الإعلاميين ستمنح الإعلامي بطاقة بديلة لبطاقة العمل الأصلية؛ لتظل الصلة بينهما قائمة، ويستفاد منه في المشورة والتدريب والمشاركة في الاحتفالات والمناسبات الإعلامية؛ لأنه يمثل تأريخ مرحلة من مراحل تطور إعلام وطنه.

وإذا كنت قد استفضت في الحديث عن هموم إعلامية شتى كان مبعثها الإشارة إلى ضرورة الاحتفاء بأعلام الإعلام المميزين من كل الأجيال؛ فإنني لا بد أن أختم حديثي بهم؛ فهم من أطربوا الناس بأصواتهم وحضورهم الطاغي ما يقرب من نصف قرن؛ وإن من العقوق أن تمر مناسبة تاريخية كبيرة كبدء انطلاقة التلفزيون قبل خمسين عاما فلا ترن في الأذن أو تبهج النظر أسماء أو صور أولئك الرواد من كل جيل ممن أعدوا وقدموا وعملوا وتفانوا ونسوا ذواتهم ومصالحهم المالية والمعيشية وجعلوا الإذاعة والتلفزيون بيتهم وسكنهم؛ لقد عايشت وشاركت زملاء في وجبتين وأحيانا ثلاثا لا نخرج منها من الاستديوهات في أوقات مناسبات أو أعياد أو محن؛ كما مر بكثيرين من الإذاعيين إبان فتنة احتلال الحرم المكي الشريف 1400هـ أو في أزمة الخليج حين احتل العراق الكويت خلال أكثر من سنة صاخبة بالأحداث والتوتر وتوقع ما لا يمكن توقعه من التطورات.

إن تقدير الرموز الإعلامية والاهتمام بها يعطي شعورا لكل متابع بتمكن القيم الأخلاقية والوطنية فينا؛ وفاء وإكراما للعاملين المخلصين وتحفيزا للأجيال ومنحها الشعور بالأمان والثقة بالمستقبل.

جاء الموهوبون إلى الإعلام فقراء؛ فاغتنوا بحب الناس، ثم رحل بعضهم بلا سكن أو تقاعد سخي يبعد عنه الفاقة، وبلا رعاية صحية يحتاج إليها بعد أن تقدم به العمر وحاصرته أمراض الشيخوخة بعد أن اعتصر رحيق شبابه؛ فأكلهم الإعلام لحما ورماهم عظما!

moh.alowain@gmail.com

mALowein@

مقالات أخرى للكاتب