25-11-2014

طباعة القرآن الكريم الواقع والمأمول

القرآن دليلُ دربِ المسلمين، دُستور حياةِ المؤمِنين، هو كلِّيّةُ الشريعة، عَمود الملّةِ، ينبوع الحكمة، آيَة الرِّسالة، نور الأبصار والبصائر، لا طَريقَ إلى الله سواه، ولاَ نجاةَ بغَيره.

إنَّ القرآن الكريم كتاب ضياءٍ ونور، وهدى ورحمة، وشفاءٌ لما في الصدور، قال تعالى: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [المائدة: 15-16].

الجيلُ الأوّل في صدرِ الإسلام ساروا على نهج القرآن، فأصبَحوا خيرَ أمّةٍ أخرِجَت للناس، لم يكُن القرآن عندَهم محفوظًا في السّطور، بل كان مَكنونًا في الصّدور ومحفوظًا في الأخلاقِ والأعمال، يَسير أحدُهم في الأرضِ وهو يحمِل أخلاقَ القرآن وآدابَه ومبادِئَه. وبين الله سبحانه وتعالى حفظه لكتابه ورعايته فقال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

ولقد وجد القرآن الكريم اهتمامًا كبيرًا من المملكة منذ تأسيسها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز- رحمه الله-، فأولته عناية عظيمة، ورعاية كريمة، وجهودا مشكورة، فهو دستورها الخالد الدائم ونبراسها في شؤون الحياة، إليه وإلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم يكون التحاكم، ومنهما تستمد الأحكام والشرائع، وبهما العمل والتمسك، وعلى ضوئهما تكون الدعوة والإصلاح والتوجيه.

وسار أبناء المؤسس من بعده على هذا النهج فبذلوا في خدمة القرآن البذل العظيم وإلى يومنا هذا فأُقيمت المسابقات في حفظ وتلاوة القرآن العظيم، وأُنشئت مدارس تحفيظ القرآن الكريم.

وقد اتضحت مظاهر عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم على مر العصور من خلال توفير المطابع لطباعته، وترجمة وطباعة معانيه إلى أهم وأوسع اللغات المختلفة، وتوزيعها على المسلمين في جميع أنحاء العالم.

وقد توِّجت جهود المملكة في هذا الجانب بإنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة الذي افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز- رحمه الله- ليكون أكبر صرح لطباعة المصحف الشريف في العالم وما زال ولله الحمد كذلك حيث أولاه خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله- العناية والاهتمام؛ خدمة للإسلام والمسلمين.

ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف يقوم اليوم بجهود جبّارة في خدمة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من خلال برامجه العلمية في عقد الندوات العلمية والملتقيات المتخصصة فجزى الله القائمين عليه خير الجزاء ووفقهم إلى كل خير وصلاح. وقد سرّني ما سيقوم به مجمع الملك فهد من تنظيم ندوة دولية بعنوان: (طباعة القرآن الكريم ونشره بين الواقع والمأمول)، ولا شك أن لهذا أثره الكبير عند مناقشة قضايا القرآن الكريم مع ثُلّة من العلماء والمهتمين في العالم أجمع، وخلق مناخ فكري وعلمي للحوار البنّاء، وفي التبادل الثقافي المثمر بين هؤلاء النخبة بما يفيد ويعزز الاهتمام بالقرآن الكريم، وما يعكس دور مجمّع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم الريادي والقيادي في هذه الموضوعات، ومسايرة القضايا المعاصرة والتقنيات.

وتنبع أهمية مناقشة موضوع طباعة القرآن الكريم في العالم أجمع ونشر كتاب الله في أنحاء المعمورة في أنه نشر لدين الإسلام العظيم الذي أمر الله الناس باتباعه واعتناقه، وتَظهرُ فائدةُ هذه النَّدوات من خلال ما يُقَدَّمُ فيها من دراساتٍ متعددة ومتنوعة تجمعُ بينَ الأصالة والجدَّة، ينتج عنها مشروعات حقيقية مشاهدة على أرض الواقع. وكما يتضح أن هذه الندوة تهدف إلى العناية بإخراج المصحف الشريف إخراجاً طباعياً لائقاً، وبناء قواعد وأسس مرجعية، وصياغة منهج أمثل لطباعة المصحف الشريف، ومراجعته وتدقيقه، وتيسير سبل اللقاء والتشاور بين المتخصصين في طباعة المصحف الشريف للسعي في الوصول إلى منهج أمثل، والوقوف على التجارب والخبرات التي مرت بها طباعة المصحف الشريف في العالم، ودراسة السبل الكفيلة بالاستفادة من التقنية الحديثة، ووضع ضوابط دقيقة لنشر القرآن الكريم من خلال وسائلها المتعددة، واستنهاض همم المتخصصين؛ لخدمة القرآن الكريم طباعة ونشرا بالوسائط المتاحة، والعناية بتأهيل المتخصصين المتقنين لمراجعة النص القرآني وتدقيقه، وتذليل العوائق العلمية والفنية التي تعترض طباعة المصحف الشريف ونشره، وإبراز دور المملكة في طباعة المصحف الشريف، ونشره والاستفادة من تجربة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وأوجه خدمة النص القرآني الكريم.

* وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون المطبوعات والبحث العلمي

مقالات أخرى للكاتب