25-11-2014

أوقفوا حرب الاستنزاف..!

قرأت لأحد الأصدقاء، أن تحسين أداء المستشفيات، والقطاع الصحي، يرتبط بأداء المرور وتواجده، خاصة بعد أن أكدت دراسة أن الحوادث المرورية تكبد المجتمع السعودي نحو 90 مليار ريال، حيث بلغت تكلفة الإصابات البسيطة 170 مليون ريال، والإصابات البليغة 135 مليون ريال، بالإضافة إلى خسائر الممتلكات.. وما يهمني هنا هو خسائر الأرواح، فمن يتخيل أننا نفقد 19 شخصاً يومياً، بسبب الحوادث المرورية؟.. هذا بخلاف إصابات العمود الفقري والشلل.. فلماذا لا يكاد يمر شهر دون أن تسمع عن وفاة قريب أو صديق بسبب حادث مروري، ولا يتعلق الأمر بطرق السفر وحدها، بل حتى داخل المدن الكبيرة، وفي الطرق الرئيسة، لا يكاد يمر يوم دون أن ترى حادثاً شنيعاً، وجثثاً متناثرة، ومصابين، وكأننا في حرب شوارع، أو حرب استنزاف لا يمكن إيقافها.

بالفعل هي حرب استنزاف، تستنزف الأسر والعائلات في فقد أبنائهم أو معالجتهم المضنية عند الإصابات المزمنة، كما تستنزف الدولة في توفير مراكز علاج العمود الفقري، والشلل، فهل يعقل أننا نعاني عشرات السنوات دون أن نعثر على حل لهذه المأساة؟.. أم أننا نعرف الحلول الناجعة ونتجاهلها؟

فعلى سبيل المثال لو كان نظام ساهر نظاماً رقابياً متطوراً، يهدف إلى حماية المواطن، وليس نظام جباية ينتمي إلى العصور الوسطى، هل ستستمر حرب الشوارع المجنونة؟ بالتأكيد سيتغير الأمر تماماً، لأن الأنظمة الرقابية المتطورة في الشوارع، كما في دول أوروبا والدول المتقدمة عموماً، هي من يقنن أنظمة السير وسرعة المركبات، بوجود الكاميرات بشكل كثيف في كل مكان، لضبط قواعد السير من جهة، وللعودة إلى إرشيف الكاميرات في حالة حدوث جريمة -لا سمح الله- في أحد الشوارع أو الميادين أو ما شابه.

أما نظام ساهر، وبراميل الكاميرات التي يجرونها من مكان إلى آخر، أو السيارات التي تقف على قارعة الطريق، أو تحت جسر، أو خلف شجرة، فهو نظام بليد، ولم يستطع ضبط السرعات الجنونية حتى داخل المدن، ولا احترام قواعد المرور وأنظمته، ولم يقلل من الحوادث المرورية بالشكل الذي حلمنا به، فهو نظام قاصر، لا نظام ساهر.

إذا كانت لدينا رغبة حقيقية في تقليل نسبة الحوادث، وتقليل أعداد مصابي هذه الحوادث، الذين يشغلون ما يقارب 30% من أسرة المستشفيات، من أجل تحسين أداء هذه المستشفيات، وقبل ذلك حماية أرواح المواطنين، فلابد أن يستفاد من إيرادات هذا النظام، خلال السنوات الماضية، وفرض رقابة صارمة بواسطة كاميرات كثيفة ثابتة في الشوارع، وغرف تحكم، وتحديد سرعات منطقية، حتى لا نضع سرعة 50 كلم في شوارع سريعة، ثم ننظر في النتائج.

أتمنى أن تبادر الإدارة العامة للمرور، بالتنسيق مع جهات معنية، بتنفيذ مقترح الرقابة الدقيقة على شارع واحد فقط، على أحد الشوارع الرئيسة في العاصمة الرياض، ورصد الكاميرات المتطورة لجميع المخالفات، سواء السرعات غير القانونية، أو التنقل من مسار لآخر، أو الدخول المفاجئ إلى الطريق الرئيس، أو الوقوف الخاطئ... إلى آخره من المخالفات، ومن ثم تقييم التجربة بعد ستة أشهر مثلاً، وحساب عدد الحوادث إذا وقعت، والوفيات والإصابات.

أكاد أجزم أن النتيجة ستكون لافتة، وسنجد أن الحوادث قد تناقصت إلى نسبة كبيرة جداً، وكذلك الإصابات، بل قد لا توجد إصابات أصلاً، كما يحدث في معظم الدول الأوروبية، فمعظمنا سافر وعاش هناك، وقد تمر الأشهر هناك دون أن نشاهد حادثاً مرورياً، والسبب هو القوانين والعقوبات الصارمة، أما في حالتنا، حالة الفوضى والتهور والرعونة في القيادة، فلن نجد سوى المزيد من حروب الاستنزاف والقتل اليومي المجاني.

مقالات أخرى للكاتب