المشروعات الصغيرة للأسر المنتجة قادرة على أن تكون رافداً اقتصادياً مهماً

نشرت صحيفة الجزيرة خبر اختتام جمعية أجا الخيرية النسائية بحائل، مهرجان ومعرض الأسر المنتجة، وأشار الخبر إلى تنوع المعروضات واشتمال المعرض على معروضات تراثية، ومشغولات يدوية عالية الجودة وملابس نسائية، صنعت في مشاغل منزلية للمواطنات، بالإضافة لتصاميم مبتكرة بأفكار حائلية من وحي التراث المحلي.

وإن كل معرض للأسر المنتجة في المجتمع السعودي، يكشف عن مدى قدرتها على الإسهام في الصناعة الوطنية، ودعم الإنتاج المحلي، وحماية للمرأة من براثن الفقر، وحرص على تنميتها، وتحسين مستوى معيشتها، وارتقاء بنوعية حياتها. ما يجعل من الواجب على الجميع أن يكونوا -بعد الله- عونا لهذه الأسر، وأن يحسنوا أنوع حياتها، ويجددوا الآليات التي يتم من خلالها توفير مستوى لائق من الخدمات للأسر المنتجة.

وهناك توصيات مشابهة وضعها منتدى الأسر المنتجة ضمن خريطة عمل لتمويل مشاريع أكثر من 100 ألف أسرة سعودية منتجة، حيث أكد المشاركون أهمية مشاركة القطاعين العام والخاص في تمهيد الطريق أمام هذه الفئة المهمة لدمجها ضمن خطة التنمية المستدامة.

ومن الجهات النشطة في هذا الصدد مركز بناء الأسر المنتجة «جنى» في الدمام، الذي بدأ في إقراض الأسر بعد توقيعه اتفاقية شراكة مع «البنك السعودي للتسليف والادخار»، تشمل بنوداً عدة ، من بينها تأسيس محفظة إقراضية بتمويل من البنك بقيمة 36 مليون ريال، على أن يقوم مركز «جنى» بإدارتها وتشغيلها بإقراض الأسر المنتجة التي تعمل معها. فيما نجح المركز في سعودة 93 في المئة من كادره الوظيفي، وهو نجاح مواز لنجاحه في دعم الأسر المنتجة.

فكم نحن في حاجة إلى تحويل الأسر المتلقية للمساعدات إلى أسر منتجة توفر حياة كريمة لنفسها، عبر توفير فرص عمل ذاتية للنساء، ويعتبر ذلك إسهاماً مهما في تمكين المرأة، ودعم دورها في الأسرة والمجتمع كما أنه يسهم في التأثير الإيجابي على المستوى الصحي والتعليمي لأفراد الأسرة، وترسيخ ثقافة العمل والإنتاج، ومبدأ الاعتماد على الذات.

إن الوصول إلى الأسر المنتجة والمستثمرة في بيوتها ومحاولة رصدها وقياس مقدار القيمة الكلية المضافة لمنتجاتهم إلى الاقتصاد الكلي والأثر الاجتماعي والنفسي والثقافي، يعتبر من الأفكار والمشاريع المبدعة في إحداث التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وبذر قيم التكامل الإنتاجي بأوسع أبوابها، وقد نجحت دول عديدة في جعل الإنتاج المنزلي جزءًا لا يتجزأ من الناتج الكلي حيث إن المنزل والأسرة يعتبران من أكثر وحدات العمل والإنتاج تماسكًا إداريًا وقدرة على قسمة العمل بينها بحسب طبيعة مهام كل فرد ونوع الإنتاج الذي يقوم به المنزل وانتشاره في الأسواق سواء عبر جهود تسويقية ذاتية أو عن طريق الشركات والمؤسسات التي تنشط في البحث عن هذه المنتجات، ثم تقدم لها قيمة مضافة تتمثل في التغليف أو التعبئة أو القيام بعمليات التصدير والتسويق والنقل الداخل أو الخارجي.

ولدينا في أسواقنا الداخلية منتجات مستوردة لا حصر لها قد تم جمعها عن طريق شركات قامت بتعبئتها وتغليفها وتصديرها إلينا بينما هي أصلاً تعتبر سلعًا منتجة في المنازل. وقد شهدنا في بعض الأرياف التركية قيام المنازل بإنتاج فائضها الزراعي وتجميعه لتأتي سيارات تابعة لشركات معينة تجمع هذه المنتجات وتنقلها إلى مقراتها ومعاملها تمهيدًا لإعدادها للتصدير.

والمجتمع المحلي السعودي ليس استثناء من هذه التقاليد إلا أن إيقاع التحول السكاني السريع من القرى إلى المدن ساهم في ابتعاد شرائح كبيرة من المواطنين عن مهنها التقليدية الزراعية والحرفية وغيرها... وربما كان ذلك عاملاً وراء انقطاع التطور الطبيعي في العمل من المنزل في المجتمع المحلي كما في العديد من المجتمعات المشابهة في منطقتنا.

فهل يشكل الاستثمار من المنزل في المجتمع المحلي نسبة معلومة في الناتج الاقتصادي..، وكيف يمكن قياس هذه النسبة إذا لم نتمكن من معرفة الآلية والكمية التي تشارك بها الأسر المنتجة وتحليل أنماط العمل من المنزل وأنواعها وكيفية تقسيم الأعباء الإنتاجية داخل كل أسرة منتجة وهل تمثل المرأة أحد أهم أعمدة العمل الإنتاجي المنزلي.

لكن بطبيعة الحال ينبغي ألا تترك مثل هذه الأنشطة المنزلية دون رقابة وقائية تغطي جوانب مهمة في كل مراحل العملية الإنتاجية المنطلقة من المنزل إلى المجتمع أو السوق - وربما كان نقص الخبرة أو الاندفاع غير الرشيد نحو الكسب المادي والتشجيع غير المدروس من جهات الاختصاص للراغبات في الاستثمار من المنزل مبررًا كافيًا لعدم إرخاء قبضة الرقابة الوقائية، خاصة أن بين هذه الأنشطة ما يتجه لإنتاج أنماط من الأغذية التي قد يتم تجهيزها بعيدًا عن أعين الرقيب، والمنزل لا يستطيع الرقيب دخوله لأن في ذلك خدشًا للخصوصية.

إن الأسر المنتجة كيان اقتصادي حيوي وهام وقد يكون الحاجة له ملحة بالنسبة لفئات معينة، وإن كان العمل من خلاله متاحًا للجميع دون فئة عن أخرى باعتبار أن العمل الاقتصادي مفتوح ومتاح للجميع، ويرجع تاريخ عمل الأسر المنتجة لزمن قديم وإن كانت بعض الأعمال والأنشطة تعبر عن ذلك فعليًا حتى يخيل للرائي أنها جزء من التراث القديم حيث من ضمن أعمالها المشغولات التراثية أو الأغذية الشعبية، وإن كان المعنى الحقيقي لها يفوق هذا المعنى الدارج، حيث إنه لا تحديد معينًا للأعمال التي تقوم من خلالها.

رغم إيماننا بهذا العمل ورغم شعور الغبطة ونحن نرى هؤلاء النسوة يعملن ويحققن وجودًا وحضورًا وتنافسًا مشرفًا في المهرجانات أو البازارات أو الأسواق، إلا أنه لا ينبغي أن ننسى أن الغذاء له قواعد وأصول واحترازات واشتراطات صحية مطلوبة والرقابة عليه تدخل في اختصاصات جهات عديدة، ويحتاج معرفة منشأ المواد المستخدمة في الطبخ مما يحتاج معه لرقابة دائمة وتزداد تعقيدًا عندما يكون العمل في المنازل، حيث يصعب رقابتهم ولا بد لها من رقابة نسائية.

ما يعني أن مستقبل الأسر المنتجة مشرق في بلادنا، ولكن ضمن منظمة عامة وبرنامج عمل شامل، يضمن الفائدة للأسر، والسلامة للمجتمع.

نورة عبدالكريم - الرياض