26-11-2014

ما بعد حادثة الأحساء !

لم تكن المتابعة الأمنية لحادث الأحساء، والتي أسفرت بتوفيق الله - تعالى - عن القبض على « 6» أشخاص، ممن لهم علاقة بالجريمة الإرهابية، وفق عمليات أمنية متزامنة، تم تنفيذها في محافظة شقراء بمنطقة الرياض، ومحافظتي الأحساء والخبر بالمنطقة الشرقية،

إلا صدى لدعاة السوء، والجماعات المتطرفة التي تصطاد ضحاياها، وتخضعهم لتعبئة منحرفة، وتعرضهم لعملية غسل دماغ؛ حتى تورطهم في أعمال عنف، وإرهاب، فتصفي حساباتها ضد الوطن، ومصالح الأمة.

عند الحديث عن حادثة الأحساء، لا يمكنني إغفال الحالة الشاذة له، والتي تفسر الإرادة الشريرة لأصحابها. فهو قبل أن يكون سلوكا، يسبقه تكوين رؤية فكرية، واستعداد نفسي لدى الفرد، لتدفع بصاحبها إلى القتل، والتفجير، والتخريب. - وبالتالي - فإن ظاهرة الإرهاب ظاهرة معقدة، لا يمكن تفسيرها بسبب واحد؛ لأنها حصيلة تنشئة ذهنية، ورؤية فكرية. ولذلك يجد الإرهابيون ضالتهم في مثل هؤلاء الشباب، فيكونون صيدا سهلا؛ لاستقطابهم، والانحراف بهم عن الطريق السوي. وبات الشباب - مع الأسف - كالجوهرة الثمينة لكل من أراد استغلال المناكفات، والصراعات السياسية، ولذلك وجدنا أن من عناصر تلك العمليات الانتحارية شبابا، هم في العشرينيات من أعمارهم، من الذين يهتمون ببريق البدايات، دون النظر في عاقبة النهايات.

إن عدم الرسوخ العلمي لدى هؤلاء الشباب، وتغليب فقه التشدد، والاستدلال المنبت عن أصوله، وضوابطه المعتبرة، وقلة مستوى التجربة، وحداثة السن يمكن أن يهيئ فراغا نفسيا، وعلميا، قد تتلاءم مع اندفاعات الشباب بحماس غير منضبط، يفضي إلى تعصب فكري، يمكن توظيفه - في نهاية المطاف - إلى عنف سلوكي.

كتبت مرة، أن الأمن الفكري يعتبر من أهم أنواع الأمن بمفهومه الشامل. فبه يعيش الناس في أوطانهم آمنين على مكونات أصالتهم، وثقافتهم النوعية، ومنظومتهم الفكرية المنبثقة من عقيدتهم، وهويتهم، وثقافتهم داخل مجتمعهم. ولقد حرصت الشريعة الإسلامية على تحصيل المصالح، وتكميلها، وتعطيل المفاسد، وتقليلها، بل إن مدارها على تلك القاعدة العظيمة، فما أمرت الشريعة الإسلامية شيئا، أو أباحته، إلا وفيه مصلحة محققة، أو راجحة على مفسدة مرجوحة. ولا نهت عن شيء، أو منعته، إلا وفيه مفسدة محققة، أو راجحة على مصلحة مرجوحة. وبهذه المعادلة المترابطة تتضح ملامح الأمن الفكري.

من جانب آخر، فإن الحفاظ على المكونات الثقافية الأصلية في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة - أيا كانت -، هو أمن فكري، يهدف إلى حماية، وتحصين الهوية الثقافية من الاختراق، وصيانتها من الانحراف. وبعبارة أخرى، فإن استقرار حياة الإنسان، وسلامة سلوكه، ومقصده من خلال فهمه للإسلام، وتصوره للحياة، والهدف منها، وعلاقته بربه، وبالآخرين، ومعرفة ما له من حقوق، وما عليه من واجبات، هو الأمن الفكري.

إن ظاهرة الإرهاب ظاهرة لها رموزها، وبيئتها العلمية، والفكرية، والفلسفية، وما تحاكيه من متغيرات، ونوازل حلت بساحتها، كاتباعها الهوى، واعتساف النصوص، ونزعة الأنا المقدمة على الحق وفق منهجية خاطئة، بعيدة عن ضوابط الشرع. فالانحراف الفكري، هو: انحراف عن الوسطية إلى الإفراط، والتفريط، والغلو، والتقصير. ومواجهتها يستلزم تضافر المعالجة الفكرية مع المعالجة الأمنية، وتكاتف الجهود؛ لاستئصال الفكر التفكيري، من خلال إبراز الفكر المعتدل بالحوار، والحكمة، والعقل، والمنطق. - إضافة - إلى ضرورة ضبط الفتوى المتعلقة بدعم الأفكار الضالة، ومناقشتها، والرد عليها. حتى لا نقع في تطرف مضاد، لنستطيع أن نقلل من معتنقي الفكر التفكيري، وعزلهم في زاوية ضيقة. ففي نهاية المطاف، لا يصح إلا الصحيح.

إن تجريم الإرهاب بكافة أشكاله، وصوره، وشجب تلك الأعمال غير الأخلاقية، والتي تتنافى مع مبادئ، وسماحة، وأحكام الدين الإسلامي، التي تحرم قتل المدنيين الأبرياء، وتنبذ كل أشكال العنف، والإرهاب، وتدعو إلى حماية حقوق الإنسان، يدل على أن مراجعة، وتحديث الإستراتيجية التي نتبعها في محاربة الإرهاب، مطلب مهم؛ من أجل القضاء على تلك الآفة الخطيرة، واجتثاث جذور الإرهاب داخليا، وخارجيا، بعد أن عانى العالم من عدد من النكسات الحرجة؛ بسبب تلك الظاهرة. وهذا المنحى الذي أشرت إليه، هو ما عبّرت عنه الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، عندما استنكرت بشدة للحادث الإجرامي، الذي وقع في محافظة الأحساء، وأدى إلى مقتل خمسة من المواطنين، وإصابة تسعة آخرين، على لسان أمينها العام - الشيخ الدكتور - فهد الماجد: « بأن هذا الحادث الإجرامي اعتداء آثم، وجريمة بشعة، يستحق مرتكبوه أقسى العقوبات الشرعية؛ لما انطوى عليه من هتك للحرمات المعلومة بالضرورة من هذا الدين، ففيه هتك لحرمة النفس المعصومة، وهتك لحرمات الأمن، والاستقرار، وحياة المواطنين - الآمنين المطمئنين -، وهتك للمصالح العامة».

drsasq@gmail.com

باحث في السياسة الشرعية

مقالات أخرى للكاتب