26-11-2014

المرأة.. المرأة.. المرأة!

تُشكل أنظمة الولاية «المطلقة» للرجل على المرأة، أحد أبرز أنواع العنف ضد المرأة الذي تعززه الأنظمة والقوانين المأخوذة عن اجتهادات فقهية، ولم تؤخذ من نبع النصوص الدينية الواضحة والصريحة في الكتاب والسنة، كما أُخذ في هذا السياق -بعض- الاجتهادات التي لا يمكن أن تتماشى في عصرنا الحاضر، مما يصنع فجوة ما بين وصول المرأة إلى مناصب قيادية وفي الوقت ذاته نقص أهليتها وعدم قدرتها على تدبر أبسط الأمور لنفسها، إضافة إلى كونه يتنافى مع الخطاب الإنشائي الذي مللنا سماعه وتكراره، المتمثل في كون المرأة لها كرامتها، فأي كرامة لإنسان لا يستطيع أن يقضي لنفسه أي إجراءات مؤسساتية ويعتبر خاضع للوصاية مدى الحياة بسبب جنسه؟!

لنكن واقعيين، نحن دائمًا نرمي المجتمع بالممارسات السلبية، ألا نسأل أنفسنا من الذي عزز هذه الممارسات؟ أليس الرجل الذي يعتبر القوامة هي التسلط والعنف والملكية المطلقة هو قد وصل إلى هذه القناعات نظرًا لوجود أنظمة وقوانين تسانده وتدعم لديه هذه الفكرة؟

أكتب هذا المقال وفي ذهني تدور عشرات الأسئلة بعد متابعتي لقصة «سارة» التي قام بنقل تفاصيلها برنامج (بدون شك) وأعلم أن الأجوبة صعبة للغاية في تبرير أن تكون المرأة قد وصلت إلى سن منتصف الثلاثينيات وما زالت تقبع تحت وصاية «كاملة» للرجل بغض النظر عن كونه أمينًا على هذه الوصاية أم غير أمين.

«سارة» ليست قصة فردية، إنما هي أنموذج للقهر الذي قد تعيشه أي امرأة بسبب وجود نظام يفرض عليها وصاية كاملة من قِبل الرجل، هذا النظام لا ينظر إلى وضع الرجل ولا مواصفاته المهم أن يكون رجلاً يتحكم بحياة المرأة في حال كان من النوع المتسلط، وحظ المرأة هنا إن منحها الله -عز وجل- رجلاً يخاف الله فيها ولا يستخدم السلطة المطلقة الممنوحة له بقهرها، كما حدث مع سارة اليتيمة التي تحولت الوصاية عليها إلى عمها بعد وفاة والدها، فصار يُمارس ضدها أبشع أنواع التسلّط والتحكّم بمصيرها ووصل إلى عضلها لأن من أمن العقوبة أساء الأدب.

أعلم أن هناك من سيقول بإمكان سارة ومثيلاتها الذهاب إلى المحاكم ونقل الوصاية عليها من العم إلى القاضي، هذه الفكرة أيضًا غير مقنعة بالنسبة لي، فلماذا لا بد أن يكون للمرأة رجل وصيّ؟ متى سننتهي من هذه الأنظمة التي دائمًا تنظر إلى المرأة أنها إنسان غير كامل الأهلية ويحتاج إلى وصيّ يسوقه في هذه الحياة؟!

متى نؤمن أن للمرأة عقل قادر على إدارة نفسه وحياته وأنه لا يحتاج إلى شخص آخر يوجهه إلى الصواب، أؤمن أن هذه الأنظمة هي ما خلقت كثيرًا من الأفكار المجتمعية التي نرى تعزيزها للسلوكيات السلبية في التعامل ما بين الجنسين، هذه الأفكار خرجت من رحم الأنظمة والقوانين، وما زلت أتذكر ذلك الرجل الذي زارني بمكتبي قبل سنوات ومعه ابنته، يشكو لي أنه يرغب بمنح ابنته الوصاية على نفسها لأنه غير قادر على الذهاب إلى المؤسسات والجهات التي تحتاج فيها ابنته لمحرم، بل كان يقول إنه يريد أن يمنحها حق الوصاية عليه لأنها امرأة بألف رجل وهي من تصرف عليه وتدير شؤونه، أتذكر عندما أبلغني أن الأنظمة لم تسمح له بتنفيذ هذا القرار..!

المرأة.. المرأة.. المرأة. هناك من ملّ الحديث عنها وعن حقوقها، بل وهناك من لا يريد أن يسمع، لكنني سأظل أكتب لها وعنها إلى أن أصل إلى اليوم الذي يتم فيه تقويض كل نظام أو فكرة أو قانون يُكتب أو يقال من باب التمييز ضد المرأة!

www.salmogren.net

مقالات أخرى للكاتب