أنت والآخَرون والمستقبل

د. موسى أحمد بهكلي

كلٌ منا يتوق لمعرفة ما يمكن أن يحدث في الأيام القادمة وعلى وجه اليقين والتحديد ذلك من المستحيل، ولكن كثيراً من الأحوال التي يمكن أن تصير لنا ليست ببعيدة عن ما يحدث للآخرين.

في بداية الشباب قد يأخذنا الحماس ونظن أننا سنكون الأحسن وسنحقق ما لم يحققه غيرنا، وأننا ستجتهد وأن اجتهادنا سيضمن لنا كل شيء! ولكن إذا دققنا في الموضوع وبعد فترة نجد أننا لا نختلف كثيراً عن الآخرين، وأن إنجازنا الذي وصلنا إليه يمكن التنبؤ به على ضوء ما وصل إليه صديق أو قريب أو شخص مشابه لنا، بل إننا قبل أن نقدم على شيء ولم نحصل على نتيجته بعد، يمكن استقراء النتيجة على حسب الأحوال المشابهة، وخذ المثال الآتي: عندما يتزوج شخصٌ ما عند أسرة فإن الأولاد القادمين لا يذهبون بعيداً عن الأعمام أو الأخوال، بل لو أخذت متوسط طلاب مدرسة تجد الغالبية العظمى حول ذلك المتوسط، نعم هناك القدرات الشخصية والإمكانيات المتاحة كلها فروق بين الناس، ولكن فاتنا الانتباه إلى أن النتائج ما هي إلا احتمالات مما هو موجود، ولذلك من الأهمية بمكان أن نأخذ من الآخرين تجاربهم ونسمع لهم، فنحن قريباً منهم قد نزيد أو ننقص، نعم هناك حالات نادرة أو استثنائية أو حالات عباقرة، ولكن نحن هنا نتكلم بشكل عام.

كما أن كثيراً من التعاملات التي قد تمر بها مع شخص يمكن تخمينها قبل حدوثها، وذلك بمعرفة التعاملات التي صدرت منه، بل حتى الآراء مع أن الرأي أنت تبنيه بنفسك ويعبِّر عن اختيارك تجده لا يخرج عن مجموعة من آراء الناس إذا كانوا محلك لاختاروا واحداً من هذه الآراء.

إن الآخرين مهمون لنا، فنحن نشأنا بينهم وقد عرفناهم قبل أن نعرف أنفسنا، ولكن قد نجفل عنهم لما يأتي:

1 - الحساسية من التقييم.

2 - الحرج من أنفسنا، فلقاء الآخرين يريد استعداداً فتجد شخصاً يبتعد عن الآخرين ليس لأنه لا يريدهم، ولكنه قد يكون مُحرجاً من لباسه غير اللائق مثلاً.

3 - الخوف منهم، فهناك مواقف مع الآخرين بها خطورة.

مثل ما أن العوامل الوراثية عرضة للتكرار، فالتصرفات القادمة يمكن أن تتكرر، ويمكن أن نخمِّن ما سيحدث لنا عن طريق الآخرين.

تستطيع أن تقرأ الآخرين عن طريق:

1 - معرفة المتوسط، فكل الصفات يمكن أن يكون لها متوسط تقريبي.

2 - معرفة مجمل التاريخ الصحيح.

3 - معرفة الصفات الشخصية الفطرية والمواهب التي يختلف بها الناس.

وبقراءتك للآخرين يمكنك أن تقرأ المستقبل الذي سوف تعيشه معهم إلى حدٍ ما.

اقترب من الآخرين، وحاول أن تشاركهم بعض اللقاءات فهناك من يتهرب بحجة الانشغال أو الإحراج أو الجدية في حياته أو الرغبة في استعداد أكثر لمقابلتهم في مرة قادمة، ولكن المرة القادمة قد لا تجدهم، هناك أشياء قد يُلاحظها لك الآخرون لا يمكن أن تنتبه لها مهما كان ذكاؤك.

إن الآخرين مهمون لنا، وقد أدرك النبي إبراهيم - عليه السلام - ذلك فدعا ربه قائلاً: {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (84) سورة الشعراء.