قصة قصيرة

عيون سمية

بعيدة صارت تلك السنة التي تذاكر بردها عجائز قريتنا، حين جمعهم المجمر الذي توسطه إبريق شاي اسودَّ اغلب جسده، فجرّت بهم الذكرى لحوادث ترحموا لأصحابها وتداولوا أسبابها عبر أغوار الزمن السحيق، فلم يختلفوا بحادثة ولا حديث إلا بواحدة أُريد ذكرها, فلم يرض بعض الحاضرين، فكانت انتفاضة معطف أحدهم إن أثارت كل ما حواه من تراب رعي النهار على مبادرة أن تطمر تلك السالفة بكل أيامها فلا تعاد للحياة بذكر أو حديث.

- ما عهدنا دفن حي إلا بهذا الأمر، والظلم راد لصاحبه ولو بعد حين. قال للجمع ليسحب من معطفه الثقيل دعوة مِن مَن بجانبه للجلوس، لكنه تل ما يرتدي بردة فعل غاضبة تصرح بأن رحيل الأعوام والشيب لم يمحيا تلك الحادثة، بل انها هي من تطاردهم وببرهان تذكرهم لها كلما عصفت أيام آخر شهر من كل عام.

- ما ارتفعت مناسيب مياه الشط على كتفي الأرض إلا وأخذتنا رهبة سمية فتأخذننا العزة بالإثم فلا نترحم لها إلا بسرنا .

- وما ادراك بسرائرنا؟ سأله سائل.

- وما يجعلنا نتداولها كلاما ملأه الخوف مما اقترفناه؟ ان لسمية قبرا بصدر كل منا، فلا شتاء يأتي إلا وجثم الغم في براحائنا.

فيصمت الكل تنوب عن أصواتهم طقطقات عيدان العاقول على النار، تعيد بهم الفصول لأرملة كان لابنتها عينان زرقاوان، ولم يك في تلك القرية من عيون تشابهها، فظن الناس أنها من بنات السعالي، حين روى كبار ذاك الزمان ما حصل لرجال خطفتهم نساء لكنهن لسن نساء، بل ساكنات مقابر يظهرن بعد المغيب, فعزز ما رووه التماع عيون ذات ليل مكانه كان من بيت الأرملة، ويبعد شكهم أنها عيون قطط ليس إلا، فتراهن الصيادون على رمية إن أتت بعيني تلك الفتاة فلراميها إمارة عام لكل مكان يرتحلون، فكان لصراخ سمية إن فارت مياه الشط فيضاناً جرف غرينها نصف القرية, بينما رأوا سمية يأخذها الموج بعيداً.

حيدر علي الجبوري - العراق