الحوار الأسري والمدرسي من شأنه انتشال الفتيات من براثن المبتزين

قرأت في صحيفة الجزيرة عن اختتام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الباحة دورة تدريبية عن مهارات التعامل في قضايا الابتزاز، واستفاد منها خمسة وعشرون عضواً ميدانياً.

وتعتبر ظاهرة ابتزاز الفتيات من الظواهر الدخيلة والجديدة على المجتمع السعودي، وعلى الرغم من ذلك فقد أخذت في الانتشار خلال السنوات الأخيرة بشكل يدعو إلى القلق, الأمر الذي دفع العديد من المختصين والمربين إلى التحذير منها والدعوة إلى التصدي لها.

وقد ابتلينا بهذه الآفة في الفترة الأخيرة فلا يكاد يمضي يوم أو يومان حتى تتناقل وسائل الإعلام خبراً مفاده أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ألقت القبض على شخص يحاول ابتزاز فتاة، عبر تهديدها بصور أو تسجيلات ونحو ذلك.

ففي حادثة قبض رجال الهيئة على شاب من جنسية عربية ابتز فتاة سعودية جامعية، بعد حصوله على صورها ومقاطع فيديو خلال تواصلها معه في وقت سابق عبر «الواتساب» و»الكام»، ومن ثم شرع في تهديدها بفضحها واطلاع والدها على الصور ما لم تمكنه من نفسها، وعندها تقدمت الفتاة بشكوى خطية إلى رجال الهيئة بمركز هيئة السامر لتخليصها من الشاب المبتز، وبعد التحريات والتثبت من الشكوى تم الإيقاع بالشاب بالجرم المشهود، وتمت إحالته لجهة الاختصاص تمهيدًا للتحقيق معه ومحاكمته شرعًا.

وفي حادثة أخرى، ضبطت الهيئة، مواطنًا في عقده الرابع متهمًا بابتزاز طالبة جامعية، كانت قد حصلت على هاتف المبتز من إعلان عن توظيف داخل أحد الأسواق، وبعد تواصلها معه أوهمها أنه مالك شركات ويملك علاقات تمكنه من توظيف راغبي العمل، طالبًا منها لقاءه قبل أن يختلي بها ويصورها، وبينت الطالبة أن الرجل ابتزها بالصور لإرغامها على الخروج معه ما دفعها لإبلاغ الهيئة.

وفي وقعة ثالثة تقدمت امرأة عشرينية مطلقة للهيئة بشكوى ضد شخص في عقده الثالث بعد أن شرع في ابتزازها وتهديدها بالفضيحة بعد أن تعرف عليها في مقر عملها في أحد المستشفيات بغرض الزواج، واستمرت العلاقة بينهما خمسة أشهر زودته خلالها بصورها، وخلال هذه الفترة طلب منها مقابلتها للغداء معًا وقام بتصويرها في سيارته وهي لا تشعر، وفي المرة الثانية طلب منها الخروج معه وقام بتصويرها بمقطع فيديو في مكان مغلق، فطلبت منه قطع العلاقة، إلا أنه رفض ذلك وأخذ يطالبها بمرافقته إلى شقته أو فضحها، وكان يرتاد مقر عملها باستمرار لتشويه سمعتها ويصر عليها بالخروج معه أثناء الدوام، فتم التنسيق مع الفتاة لمسايرته، وتم القبض عليه بعد أن حضر لأخذها من عملها ووجد بجواله أدلة تؤكد علاقات محرمة مع عدة نساء إلى جانب صور صاحبة الشكوى ومقاطع فيديو لها.

قصص لا نهاية لها أرجع سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ المسؤولية عن حماية الفتيات من الابتزاز إلى القائمين على التعليم في الجامعات والمدارس، مشيرًا إلى أن المعلم والمعلمة في الجامعة والمدرسة يعيشون مع الطلاب ساعات عديدة، فلهم دور في ترشيد الطلاب من وسائل الشر، فمن الواضح أن كثيرات تورطن في شرك الابتزاز بعدما أقمن علاقات غير مشروعة مع هؤلاء المبتزين.

فينبغي تحذير فتياتنا من الاتصالات الهاتفية المشبوهة وعدم الاستجابة لها، أو الانسياق وراء الشباب بمعسول القول، فعلى الفتاة ألا تجعل وسيلة الاتصال بالاستماع لهذا وذاك، فكم من رجال يقتنصون المرأة ويبتزون كرامتها بالاتصالات المشبوهة التي يرون فيها عقد علاقة مع امرأة أجنبية عنهم لا قرابة تربطهم، ولكنهم والله هم دعاة السوء، وعليها أن تمسك نفسها وتعرض عن الاتصال الذي لا ينفع، وعندما ترى اتصالات مشبوهة فليكن موقفها عدم المبالاة.

وتبدأ مأساة جريمة الابتزاز بسبب التساهل في التعامل مع الغرباء أو الجرأة في مخالفة تعاليم ديننا الحنيف حيث تنتشر قضايا الابتزاز في العلاقات غير الشرعية بين الرجال والنساء، فتبدأ بكلمة ثم موعد ثم لقاء أو حتى مجرد إرسال معلومات وصور عن نفسها.

فينبغي أن يحذر الجميع من خطورة التكنولوجيا الحديثة المتمثلة في شبكة الإنترنت والهواتف الذكية، وضرورة تحصين النفوس بغرس تعاليم ديننا الحنيف لتقوية الوازع الديني والأخلاقي في نفوس الأبناء.

وابتزاز الفتيات سلوك انحرافي بكل المقاييس، ويكشف عن ضعف الطرفين، فضعف الفتاة المحطة الأولى التي ينطلق منها الشاب لابتزازها، وهي مشكلة على الرغم من أنها غير متسعة، إلا أن خطورتها تكمن في أنها كشفت عن ضعف التواصل الإنساني داخل الأسرة بين الفتاة وأسرتها، وبين الشاب وأسرته، ما يجعل الفتاة تقع ضحية ضعفها خوفًا من التهديد تارة، ورغبة في الاستسلام للتهديد تارة أخرى، وإن أظهرت للآخرين أنها مرغمة، فالفتاة تبحث هنا عن إشباع عاطفي وجدته عند شاب لا يبخل عليها بشيء، خاصة الكلمات الرقيقة والمشاعر المتدفقة، وكأنه سيموت إن لم يسمع صوتها أو يرى بسمتها التي لا تشرق شمس يومه إلا بها.

إننا نحتاج لمواجهة تلك المشكلة وغيرها من خلال فتح أبواب التواصل داخل الأسرة، بحيث يستمع الوالدان للابن أو الابنة، ولا نترك الأمر حتى يتطور، لأن الشباب غالبًا وخاصة في السن الصغيرة يبحثون عن الحلول الأسهل، التي تأتي باستشارة الصديق وهو بنفس الخبرة والوعي، ولا بد من تدخل المدرسة في توعية الفتيات مع التوسع في دور جمعية وهيئة حقوق الإنسان لحماية الفتيات.

نورة عبدالعزيز - إخصائية اجتماعية