29-11-2014

نبذ الطائفية للحفاظ على اللحمة الوطنية

الطائفية مصطلح حديث يراد به التعصب الشديد لمذهب علماني أو ديني أو الولاء لجماعة عرقية، مثل الصراع الطائفي بين السنة والشيعة لأن المذهب الشيعي لم يكن موجوداً في العصر النبوي أو زمن الخلفاء الراشدين المهديين من بعده أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم

جميعاً، وقد كان الخلاف المذهبي والديني أو الطائفي (الشعوبي) موجوداً خلال العصور الإسلامية الأولى لكنه لم يعطل ازدهار الحركة الفكرية والتطوير الحضاري، فالدولة العباسية باعتمادها على شعوب البلاد المفتوحة، وكانت هذه الشعوب عريقة في حضاراتها، عملت على مزجها وصهرها في البوتقة الإسلامية، وهذا الاتحاد هو السر في تلك النهضة العلمية العجيبة التي امتدت من قيام الدولة العباسية إلى نهاية القرن الرابع الهجري، فحب البلاد وشعوبها والتسامح واحترام الرأي الآخر وطلب العلوم المختلفة والتفاني في العمل والقيم النبيلة عادات وتقاليد وسمات ميزت العصر الذهبي للخلافة العباسية التي دامت أكثر من خمسة قرون، فقدموا للعالم ما عُرف بالحضارة العربية الإسلامية.

والتعصب الديني والطائفي لا يقتصر على المسلمين فحسب، بل يوجد تعصب عند جميع أصحاب الديانات الأخرى مثل اليهود والمسيحيين والبوذيين والهندوس وغيرهم، وفي الدول التي اشتهرت بالمذاهب العلمانية مثل الشيوعية والفاشية والنازية كان التعصب الطائفي فيها أكثر خطراً وأشد فتكاً على البشرية من التعصب الطائفي الموجود بين السنة الشيعة، فقد وصلت الطائفية في تلك الدول إلى حد التطهير العرقي، ففي البوسنة والهرسك، وبطريقة فعلية ومنهجية، نفذ اليمين المتطرف والفاشيون الطائفية ضد المسلمين كان نتيجتها قتل آلاف الرجال واغتصاب آلاف النساء المسلمات. وانهيار الدول الشيوعية والفاشية والنازية يعود أحد أسبابه إلى الطائفية المنهجية فسنت قوانين تحاصر وتنبذ الطائفية، فاستعادة تلك الدول عافيتها وازدهرت وأصبحت في طليعة الدول المتقدمة. كذلك يعزو الكثير إلى أن التدهور والانحدار من العصر الذهبي للخلافة العباسية إلى عصرنا الحاضر كان أحد أسبابه الصراعات المذهبية والطائفية، وبقاء نار الطائفية بين السنة والشيعة مشتعلة حتى عصرنا الحاضر يعود أحد أسبابه إلى كثرة استحضار أسباب الصراع الديني والطائفي بينهما ودوام الاستشهاد بأقوال العلماء السابقين لكل مذهب، فالسنة والشيعة على السواء في أمس الحاجة إلى مراجعة الذات وإعادة الحسابات لتطهير المجتمع من محفزات الطائفية والتكفير من خلال تصحيح ومعالجة وتشجيع الآراء التالية، أولاً : كشف الآراء التقليدية التي تتصف بالتشدد والغلو مع تركها وعدم الترويج لها، وثانياً : تصحيح ومعالجة الآراء المنحرفة التي غررت بالشباب باسم الدين فأوقعتهم في براثن الإرهاب، وثالثاً : تشجيع الآراء البناءة التي تتصف بالوسطية والاعتدال وتسعى إلى الحداثة والتطوير الحضاري وفق متطلبات العصر الحديث مع المحافظة على الثوابت الوطنية والأصالة الإسلامية، وأصحاب الرأي الثالث يختلفون مع أصحاب الرأي الأول الذين يتصفون بالتشدد والغلو في بعض الجوانب الفقهية والشرعية حول القضايا المعاصرة، فجعلت الشباب يقع في براثن الحيرة والتردد بشأن مستقبل الإسلام في عصر العولمة، ذلك المستقبل الغائب عن اهتمامات المسلمين إما بسبب الصمت والتجاهل للقضايا المعاصرة، وإما بسبب استحضار الماضي وتقديم آراء فقهية مستمدة من عصر السلف لمعالجة الواقع الحديث.

فالاختلاف بين السنة والشيعة عميق وواقع لا يمكن أن ننكره، ولكن المهم ألّا يتحول الخلاف إلى تدمير وصراع، وإنما يجب أن يوظف تنوع الأفكار واختلاف الآراء وتعدد الاتجاهات في التطوير والإبداع وبناء المستقبل. والفكر الطائفي والتكفيري وجهان لعملة واحدة فكل واحد منهما يخدم الآخر، ومن السهل جداً الخلط بينهما واستعمال أحدهما مكان الآخر ؛ بمعنى أن أهل السنة يكفرون أهل الشيعة وأهل الشيعة يكفرون أهل السنة على مبدأ المعاملة بالمثل، واستخدام التكفير مكان الطائفية نجده أكثر رواجاً بين المسلمين من أصحاب الرأيين الأول والثاني الذين اهتماماتهم منصبة على محاصرة المجتمع بأحداث الماضي ودوام التذكير بأسباب الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، على عكس أصحاب الرأي الثالث الذين اهتماماتهم منصبة على صياغة المستقبل، ويرون أن الطائفية والوطنية لا يجتمعان ويجب نبذ الطائفية للحفاظ على اللحمة الوطنية.

وفي المجتمع السعودي، المناقشات والحوارات والمناظرات بين مختلف الأفكار والآراء والاتجاهات، يمكن تلخيصها بأنها مواجهة بين أصحاب الفكر الوسطي المعتدل وبين أصحاب الفكر التقليدي الذي يتصف بالتشدد والغلو والتطرف، وهزيمتهم تعني انتصاراً لتيار الفكر الوسطي المعتدل الذي يسعى إلى الحداثة والتطوير وبناء المستقبل الحديث مع المحافظة على الثوابت الوطنية والإسلامية.

الخلاصة

إن اللحمة الوطنية، والأصالة الإسلامية، والامتياز، والإسهام في تطور البشرية مزايا وخصائص للمجتمع المسلم، الذي يجب أن يخضع لعمليات تطهير مستمرة من الفكر الطائفي والتكفيري فكلاهما وجهان لعملة واحدة.

khalid.alheji@gmail.com

Twitter@khalialheji

مقالات أخرى للكاتب