29-11-2014

من استوطن فيروس التكفير دمه لا يتطهر!

43 إرهابيا من 77 ممن قبض عليهم إثر تورطهم في جريمة «الدالوه» بالأحساء كانوا قد تم إطلاق سراحهم من السجون بعد استتابتهم وأخذ التعهدات عليهم ؛ ولكنهم على الرغم من ذلك كله استمروا في غيهم ولم يرعوا حقا لعهد ولا ميثاق ولا استتابة!

إن هؤلاء ليسوا أول من عادوا إلى غيهم ؛ فقد سبقهم العشرات ممن سلكوا طريق الضلال؛ فلا نكاد نحصي من خرج من التوقيف تائبا أو شبه تائب ؛ ثم نسمع عنه خبراً من هنا أو هناك أنه تسلل بطريقة غامضة وبتعاون مع زمرته إلى أية جبهة مشتعلة من مناطق الصراع في اليمن أو سوريا أو العراق!

ونزوح من استمرؤوا طريق الغواية وأظهروا شيئا من مظاهر التوبة المزيفة الكاذبة إلى خارج البلاد دليل أكيد على عدم قدرتهم على ممارسة جرائمهم في الداخل ؛ فلم يجدوا مخرجا للتنفيس عن استحقاقات الفكر الضال الذي سكن في جيناتهم وتأبى على المناصحة والإرشاد إلا النزوح إلى المناطق المشتعلة.

وفي قصة المدعو «مروان الظفر» أحد المقبوض عليهم في جريمة الدالوه درس وعبرة وعظة لمن أراد أن يتأمل ويتعظ ويقرأ خفايا هذا الداء وكيف أنه إذا تمكن من شرايين المصاب به لن يتطهر دمه منه مهما بذل من جهد فكري وعاطفي لإنقاذه ؛ إلا من رحم الله وكتب له الهداية وعاد إليه عقله المستلب!

هذا الشاب الذي ارتمى في أحضان الجماعات المتطرفة ألقت به وعمره لا يتجاوز التاسعة عشرة في أتون النار الملتهبة في العراق قبل ما يقرب من عشر سنوات لينفذ عملية تفجير في مجاميع من البشر الأبرياء في العراق بدوافع طائفية تكفيرية؛ ولكنه فشل في تنفيذ العملية الإجرامية وقبضت عليه السلطات العراقية وأدخلته إلى السجون متنقلا من سجن إلى آخر، وناله من التعذيب في أثناء التحقيق ما ناله، وحكم عليه بالسجن عشر سنوات بدلا من المؤبد مراعاة لصغر سنه.

ونأتي إلى الشاهد في هذه القصة المؤلمة وإلى استخلاص الحكمة والعبرة من مقابلة الإحسان بالإساءة والخيانة والكرم باللؤم والخسة؛ فقد بذلت حكومة المملكة جهودا دبلوماسية وأمنية وقانونية مع السلطات العراقية - على الرغم من توتر العلاقات السياسية إبان حكومة المالكي - لاستعادة هؤلاء المنحرفين لتخفيف الأحكام القضائية عليهم وتطبيقها في المملكة، وهذا ما تم بالفعل ؛ فقد أعادت وزارة الداخلية بعد جهود مضنية هذا الشاب المدعو «مروان الظفر» من سجون العراق وأنقذته من التعذيب وسلمته إلى أهله بعد أخذ التعهد عليه واستتابته، وكان من المؤمل ومما تفرضه الأخلاق الكريمة رد جميل الدولة بالسلوك الحسن وشكرها على مساعيها الطيبة ؛ لكنه استمر في طريق الغواية وعاد إلى زمرته الفاسدة ونسق معها وبايع المدعو البغدادي الخليفة المزعوم واستجاب لأوامره بتنفيذ تلك الجريمة النكراء في حق أبرياء الدالوه.

ومثل هذا الشاب الناكر للجميل عشرات؛ إن لم يكن مئات نساء ورجالا، بعضهم أعادتهم الدولة بعد جهود دبلوماسية وقانونية مضنية من جوانتنامو، وبعضهم أعانته على الزواج والسكن ووفرت له فرصة عمل ؛ ولكنهم عادوا إلى ما اعتنقوه من فكر ضال وفروا إلى خارج البلاد للالتحاق بجماعاتهم في مناطق الصراع والدخول في ألوية القتال المختلطة المتداخلة التي يقاتل بعضها بعضا، وكل يزعم أنه على الحق لا غيره!

وبمراجعة للإحصاءات الدقيقة التي تعلنها حملة «السكينة» أو مشروع المناصحة الذي تبنته وزارة الداخلية يتبين كم هو العد الحقيقي للتائبين توبة نصوحا، وكم هم أولئك الذين ادعوا التوبة ثم عادوا إلى طريق الغي، ونجد أن الفئة الأخيرة تكاد تمثل الثلثين، والثلث ما بين تائب حقيقي ومرتبك متردد.

إن جدوى المناصحة والإرشاد مع من استوطن دمه فيروس التكفير قد تكون قليلة الجدوى؛ ومن الضرورة الآن بعد تكرر هذه الانتكاسات من التائبين المزيفين أن يتم إعادة النظر في جدواها، وبخاصة للفئات المستعصية المتجبرة من المتطرفين.

moh.alowain@gmail.com

mALowein@

مقالات أخرى للكاتب