30-11-2014

المجلس اللغوي عرس العربية القادم

حدثتني أستاذة العربية فاطمتنا الأريبة عن مجلسها اللغوي الأنيق الذي تباهت به؛ وأشعل روحها وجداً، وزفته في أعراس بدأتها في محض شمالي من بلادنا في (القريات ذات التجليات)؛ وأخبرتني أن المسير ممتد إلى مرابعنا هنا وهناك..

وعند ذاك أطلق المجلس أجنحته محلقاً, وقد أقسم باراً أن لا يخفض جناحيه إلا عندما تستقيم الألسن؛ وتسكب الأقلام إبداعاً وصواباً, وتشنف الآذان قناعة، وأن يكون مجلس فاطمة هو الحاضن والمربي لقوافل العودة إلى شرف العربية وشُرفاتها, حتى تكون أداة لفهم الحياة الحديثة؛

وكانت فاطمة قد اجتهدت وجاءتني به وليداً تحيطه بتعدديّة مواهبها وذكاءاتها وروحها السامية، جاءتني به لأباركه وأسميّه،

وأضع عليه تمائمه، وحيث إن فلسفتي في القيادة أنه من الحكمة أن لا يُرأس النابهون؛ فقد باركتُه, ودفعتُ به إليها ليكبر ويترعرع بين عقلين شفيقين؛ عقل فاطمة وعقل العربية، فنهضت به فاطمة في اتجاه الزمن الحيّ.

وعلى خط التماس مع واقع اللغة العربية، كان هناك ثمة مكان للعجب المتألق بما خُطّط له، فكان على فاطمة أن ترتب مجلسها في سلاسل ذات معنى، وأن تضع له مثيرات كامنة مع وضوح مدروس يليق بلغة القرآن الكريم والبيان.

لغتي إذا ما نافسوا بلسانهم

واشتد فخرهم به وتكلموا

جئت المُدلّة بالبيان سيادة

وريادة إذ من هُداك تعلموا

وعلوت بالقرآن يزخر بالنهى

هدياً بأسرار البلاغة مفعم

بالمعجزات تبلّجت نفحاته

وبحكمه أهل الهداية تحكم

فكان المجلس اللغوي مشروع حاضنة داعمة للغة العربية في أوساط التربية والتعليم ووسائطها، كما أنه تطوير بمعان قريبة وحيّة لكل الحقول والمستويات التي تحيط بالمطلب والهدف، ورسم لمسارات التقانة اللغوية بين نقاط الانطلاق والوصول وردم للفقد في إهاب اللغة ورونقها.

وقد أُقيم المجلس ونصبت خيامه ليكون مستراداً في أوساط المعلمين والمتعلمين ومنسوبي الميدان التربوي.

وكان فيه من الحسن والأحكام ما يجيز لنا أن نعده احتواء لمفردات البوح، ودفقات الوجدان تجاه لغتنا الخالدة التي طوقها الخلل اليوم؛ وأحاط بها خواء الصياغة، وموات العبارة، وقلق التعبير. فهناك علل واضحة كالشمس، وهناك فرز وتأويل، وملاحظات في كل مواقع التدوين، وهناك خطل وترهل في تحرير الفوائد للمتلقي، سواء كانت في مقروئية المقررات التدريسية، أو غيرها من المؤلفات, أو الكتابة الصُحفية, حتى الإعلانات البراقة شملتها الفاقة.

خلت الديارُ من الرقيب فأرجفوا

في ربعها إذ غاب عنها القيّم

أسفاً ونحن حُماتها وبُناتها

أ بمهدها تلقى الهوان وتظلم؟

وفي قنوات المجلس، كان هناك نزوع واضح إلى المسموع من اللغة، وما داخله من خلل, ذلك النزوع يؤسس لعلائق بين متطلبات العودة إلى حياض اللغة الصافية حتى تكون قابلة لأن تصنع قيماً لابد من اصطفائها، وإشارات ذات خصائص قادرة على الإنتاج المتنوع باعتباره من مميزات لغة الضاد, وعوامل تمكّنها وتمكينها.

فجعلت الحصيفة فاطمة للمجلس لوناً, ولنطاقات العمل فيه بريقاً, وكانت تجمع بين اللون والبريق, لصناعة الحلية التي زهت بها لجان المجلس المتواشجة.

وجناح آخر يطير في مجلس فاطمة اللغوي يحمله نداء الهوية، لتأكيد حضورها على خارطة حياة العرب والمسلمين, قال تعالى إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ سورة يوسف آية 2. وقوله عز من قائل نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرينَ بِلِسَاٍن عَرَبِيٍّ مُبِينٍ سورة الشعراء 192, وقوله تعالى قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ سورة الزمر آية 28

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون)

وتطابق آخر صنعته فاطمة في مجلسها اللغوي هو ما بين الواقع والتوقّع من خلال قناتها المرتقبة للدراسات والبحوث، ومركن آخر في رواق ذلك المجلس هو منصة الاحتفاءات باللغة العربية في أيامها ومناسباتها أمام العالم بأسره، ولعمري فالعربية جديرة بذلك وأثيرة به؛ لأن الاحتفاءات فاتحة لشهية الوقوف على منابعها وجوامعها، ومنظار حيّ لخصوصيتها، وهذه الخصوصية هي المغزى الذي رمت إليه فاطمة, ولعمري إنه مغزى مكتنز بجمال اللغة ومعجزاتها

لغتي بأسفار الخلود غنية

غصّت خزائنُها بما يُتوسّم

منها تفّجرت المعارف وانبرت

منها ينابيع الفصاحة تُثجم

فشكراً فاطمة العثمان على بنائك الأتمّ، ومجلسك اللغويّ الأشمّ, فقد كان صوتاً رخيماً في أسماعنا, وضوءاً في وادينا العبقريّ الذي عُرفنا به ونُسب إلينا، وخيولاً في حقول اللغـــة تتأهب للانطلاق إلى الصحارى والمدن؛ لتحمل حزم الضوء حيث رياض اللغة العربية المزهرة.

الأبيات للشاعر عبد الله بن خميس رحمه الله.

مقالات أخرى للكاتب