ارتفاع مخزونات النفط الصخري يرهن إليه مستقبل السوق شرط ارتفاع الأسعار

قرار أوبك يحسن موازنات الدول الأعضاء خلال 5 سنوات

إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ(الجزيرة):

بعد فترة من الترقب، قررت منظمة أوبك في اجتماعها الأخير الذي استمر لمدة خمس ساعات «الإبقاء على سقف الإنتاج عند 30 مليون برميل يوميًا دون تغيير»، وتم رفض مطالب فنزويلا باتخاذ إجراء لوقف انخفاض أسعار النفط.. وجدير بالذكر، أن أسعار خام برنت تراجعت بشكل مثير خلال هذا العام لتسجل خلال هذا الأسبوع مستوى 72.5 دولاراً للبرميل، وهو المستوى الأقل خلال الأربع سنوات تقريباً.. أما التعاملات الآجلة، فقد جاءت مستويات أسعارها أسوأ حالاً، حيث سجلت أسعار العقود الآجلة لخام «ويست تكساس» تسليم يناير مستوى 70.60 دولاراً للبرميل. وتعتبر الزيادة في الإمدادات أو حجم المعروض العالمي أحد أهم المسببات وراء هذا التراجع الملحوظ، وبالطبع تزايدها من الإمدادات الأمريكية تعتبر السبب المباشر في ذلك.

وبالطبع، كان اجتماع أوبك الأخير هذا الأسبوع أحد الاجتماعات الهامة أو العاصفة، لأنه تناول موضوعاً حساساً وهو سقف الإنتاج، والذي يرتبط أو هو ترجمة لمستويات أسعار النفط المتوقعة خلال الفترة المقبلة بشكل أو بآخر.

سقف الإنتاج والسعر العالمي

السعر العالمي للنفط، يتحدد بشكل مباشر بناء على حجم الكميات المنتجة منه، وتوجد علاقة طردية بين معدلات النمو الاقتصادي وبين الكميات المطلوبة من النفط، وهذه المعدلات يقصد بها معدلات النمو في مناطق الاستهلاك العالمي، والتي يأتي على رأسها مناطق جنوب شرق آسيا، والدول الصناعية الكبرى، متمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة الاتحاد الأوروبي.. فكلما ازداد النمو الاقتصادي، ازداد الطلب، وتقارن هذه الكميات المطلوبة بالكميات المنتجة، فحينما تكون الكميات المطلوبة أعلى من مستوى سقف الإنتاج، يزداد السعر العالمي للنفط، والعكس عندما يزداد سقف الإنتاج عن الكميات المطلوبة.

عام 2014م.. تزامن الركود مع ارتفاع سقف الإنتاج

أحد الأمور السيئة خلال عام 2014 أنه يمثل عاماً لا يمكن وصفه بالانتعاش الاقتصادي، وإنما هو عام سادت فيه حالة من الركود، أو ضعف معدلات النمو الاقتصادي عموما على المستوى العالمي.. ومن ثم لم يكن الطلب العالمي على النفط بالقوة المعهودة.. وقد تزامن ذلك مع إقرار سقف إنتاج ليس ضعيفا، بل يعد مرتفعا من قبل أوبك.. الأمر الذي مثل ضغوطاً إضافية على السعر العالمي لكي يأخذ اتجاها أكثر انخفاضاً خلال فترة زمنية قصيرة.

هل ارتفاع الكميات المنتجة يمكن أن يوازن الانخفاض في تراجع الأسعار؟

نفط أوبك عموماً يمكن وصفه بالنفط الرخيص، لأن تكلفة استخراجه لا تزال منخفضة، وربما منخفضة للغاية في كثير من المواقع والآبار المنتجة.. وبالتالي فالدول المنتجة من المواقع القديمة رابحة لا محالة حتى عند مستويات الأسعار الحالية والمتدنية.. ولكن السؤال، ألا تستطيع هذه الدول تحصيل مستويات سعرية أعلى، وخاصة أنه بيدها القرار بخفض الكميات المنتجة.. وخاصة أنه من المعروف أن رفع سقف الإنتاج يضغط على المنتج ويجعل المستهلك يبتز المنتج ويقدم له سعراً أقل.. فلماذا تمسكت أوبك بسقف إنتاج أعلى وهي تعلم أنه سيقلص مستويات الأسعار العالمية التي يتوقع أن تشهد مزيداً من التراجع خلال بقية عام 2014 وكامل عام 2015؟.

السعر المنخفض يبطئ إمدادات النفط الصخري في الحاضر والمستقبل

أحد أهم مزايا النفط الرخيص أو قبول الأسعار العالمية المنخفضة للنفط عموما هي الضغط على منتجي النفط الصخري، والتسبب في هزات عنيفة لخطط إنتاجهم، بل ربما التسبب في توقف كافة الاستكشافات الجديدة في آبار أخرى.. فالنفط الصخري تقدم وانتعشت خطط اسكتشافه واستخراجه في ضوء الأسعار العالمية المرتفعة، وخاصة مستويات ما فوق الـ100 دولار، حتى أن الكميات المنتجة منه أصحبت كبيرة ومؤثرة في السوق العالمي.. والخطورة والتهديد ليس في مستوياته الحالية، ولكن في مستوياته المستقبلية والتي توشك أن تهز عرش أوبك، وخاصة أن المخزونات من النفط الصخري تشير كافة التقديرات أنها مرتفعة وكبيرة وستسود المستقبل، ولكن باشتراط وحيد وهو أسعار نفط عالية وتزيد عن سقف معين.. فتكلفة استخراج برميل النفط الصخري تشير التقديرات إلى أنها تصل في المواقع الحالية إلى حوالي 40-50 دولار للبرميل، وقد شكل مستوى أسعار 2010-2013 والتي كانت تدور حول الـ 100 دولار للبرميل غطاء وحافزاً قوياً للمنتجين لكي يقدموا وبقوة على اكتشافات صعبة حققت نجاحاً.

خيارات أوبك

الخيار الأول: التمسك بالسعر العادل فوق الـ 80 أو 90 دولاراً للبرميل، وإقراره بخفض سقف الإنتاج عن 30 مليون برميل، وهي قادرة على ذلك، بل يمكنها التمسك بمستوى أسعار فوق الـ 100 دولار للبرميل إن أرادت.. ولكن ما هي النتيجة التي ستترتب على ذلك؟ هي تقديم دفعة أقوى وترسيخ لخطط إنتاج النفط الصخري الذي قادر أن يهز عرش النفط القديم خلال فترات قريبة.

الخيار الثاني: إقرار سقف إنتاج مرتفع عند مستوى الـ 30 مليون برميل، وقبول المستويات الحالية المنخفضة لأسعار النفط، بل قبول مزيد من التراجع لها خلال الشهور القليلة المقبلة.. ولكن في نفس الوقت خلخلة الإمدادات وخطط الاستكشافات الجديدة للنفط الصخري.. فالمنتجون اليوم وبعد قرار أوبك سيغيرون خططهم وربما يوقونها.

من الواضح أن أوبك أو كبار المنتجين فيها اختاروا الخيار الثاني وضحوا بأسعار مرتفعة لنفوطهم وقبلوا بضعف مستوي إيراداتهم وموازناتهم النفطية، ولكن هذه التضحية ستساهم في مساعدة وتعزيز موازناتهم خلال الخمس سنوات المقبلة بشكل ملحوظ لأنها ستضغط على منتجي النفط الصخري وتوقف إمداداتهم المستقبلية بشكل كبير. إن هذه الإمدادات الأخيرة للنفط الصخري نفسها يمكن أن تتسبب مستقبلا في فقدان أوبك لصلاحية وقوة قراراتها بخفض أو رفع مستوى الإنتاج.

وحدة الأبحاث بـ«الجزيرة» تؤيد هذا القرار، وتعتبره قرار المستقبل وليس اليوم، وترى أنه سيحسن مستقبل الموازانات الحكومية لدول أوبك خلال سنوات مقبلة.. فإن نضحي اليوم بالقليل هو أفضل كثيراً من أن نضحى غداً وبعد غد بالكثير.

إن كل تمسك بسقف إنتاج أقل سيدعم سعر برميل أعلى، ولكنه سيدعم في نفس الوقت إنتاج نفط صخري جديد وأكثر مستقبلاً، وسيهدد إنتاج نفط قديم من أوبك حاضراً ومستقبلاً.

 

موضوعات أخرى