د. حسن بن فهد الهويمل
زرت المنطقة الشرقية بدعوة كريمة من زملاء الحرف في نادي الشرقية الأدبي, وكنت قد زرتها لأول مرة على (القطار) قبل خمس وخمسين سنة, أو تزيد, وزرتها بعد ذلك ضيفاً على (شركة أرامكو) عندما كنت دارساً في (معهد الإدارة العامة) قبل خمسين سنة, وكان من ضمن جدول الزيارات زيارة (البئر السابعة), بئر الخير والعطاء, وكان المرشد السياحي طليق اللسان, يشدك إلى الحدث, ويَنْقُلك إلى عالم الأسطورة.
هذه البئر فتحت آفاقاً واسعة لإنسان المملكة, ووضعت قدم (الملك عبدالعزيز) على قارعة الطريق القاصد, حيث تحقق للبلاد والعباد والمقدسات كل خير بعد شظف العيش, وشح الموارد.
ثم زرتها بعد ذلك مراراً في أكثر المناسبات الثقافية في النادي الأدبي, و(أحدية) المبارك - رحمه الله - و(ذوق)، وغير ذلك.
في الزيارة الأخيرة لحضور فعاليات افتتاح مقر النادي الأدبي في المنطقة الشرقية حبب إلي ابني المهندس في صناعة النفط زيارة (مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي [إثراء]), وقد اختير موقعه قريباً من موقع اكتشاف أول بئر نفط بمدينة (الظهران), وافتُتح على ما أعلم عام 2006م, وقد أقيم على مساحة كبيرة.
إنه تحفة معمارية مذهلة, يسيخ في عمق الأرض ثلاثة أدوار. هذا المعمار الذي تراه العين من بعيد صغيراً يضم أكثر من عشرة مرافق. وأجمل ما فيه المكتبة العصرية المختلفة: شكلاً, ومضموناً, وتنظيماً عما كنا نعهده في المكتبات كافة.
يتسع المركز للمهرجانات, والمتاحف, والمعارض, والمؤتمرات, والاحتفالات كافة. إنه - بحق - خلية نحل, عالم جديد؛ لو دخله (الملك عبدالعزيز) لصار غريب الوجه, واليد, واللسان, ولكنه بكل ما يعج به من فعاليات بعض رؤيته - رحمه الله -.
قلت في إحدى تغريداتي عنه: «ذكرني بتصميم (زها حديد) و(متحف ميونخ). تحفة معمارية، لم تستغل مساحته وجُدُره بلوحات تحكي نهضة المناطق). و(زها حديد) مصممة عراقية مبهرة، توفيت حديثاً.
طموحات (الملك عبدالعزيز) تلقاها أنجاله, وأحفاده, ومواطنوه، وجسدوا من خلال هذا المركز بعض ما يحمله المؤسس من هموم, وتطلعات حضارية, ومدنية.
فعاليات النادي الأدبي في المنطقة الشرقية على هامش افتتاح المقر الجديد متعددة, ومتنوعة: ندوات, ومحاضرات, وأماسي: شعرية, وقصصية, وتوقيعات المؤلفين على مؤلفاتهم, ولقاءات بين مختلف أطياف المجتمع.
المنطقة الشرقية منطقة صناعية, والحركة فيها مرتبطة بإنتاج النفط, وتصنيعه, وتصديره, غير أن التنمية الشاملة, المتنوعة, المستدامة أخفت هذا الوجه الصناعي الصاخب.
فكانت الجامعات, والمكتبات, والمؤسسات الثقافية, والفعاليات المتعددة, وحتى الزراعة.. إنها منطقة صاخبة, تُشعرك بالجد, والصرامة.
تذكرت - والذكرى مؤرقة - زملاء أعزاء رحلوا, من دار الممر إلى دار المقر, ومن دار الفناء إلى دار البقاء. كانت لهم بصماتهم في المشهد الثقافي، في مقدمتهم الشيخ (أحمد المبارك), والأستاذ (عبدالرحمن العبيد), والدكتور (محمد الهرفي), والأستاذ (أحمد شباط), والأستاذ (محمد المسلم) - رحمهم الله جميعاً -.
ومن مبادرات أخينا المسدد أبي عبدالله (محمد بودي) رئيس مجلس إدارة النادي عثوره على النسخة الوحيدة من مجلة (هجر), التي أصدرها (المعهد العلمي) بالأحساء عام 1376هـ يوم أن كان مديره العلامة (عبدالله بن خميس) - رحمه الله -. هذا العدد الحافل بأسماء, وموضوعات, وقصائد تدل على العراقة المعرفية لمنطقة الأحساء.
وتكاد محتويات العدد الوحيد وإخراجه تكون مضاهية لأرقى المجلات العربية كـ(الرسالة), و(أبوللو), و(اليمامة).
لقد ذكرتني هذه الزيارة بأصدقاء وزملاء أبلوا بلاءً حسناً في النهضة العلمية, والأدبية, والثقافية للمنطقة, ورحلوا وحقهم على الخلف إحياء ذكرهم بإطلاق أسمائهم على شوارع, ومدارس, وقاعات؛ فالذكر للإنسان عمر ثانٍ. وهذا أقل ما يجب في حقهم.
وعلى الخلف أن يسعوا جهدهم لحمل المسؤولين كافة على إدخال السرور على أسرهم, ورد بعض ما يستحقون. إنهم جزءٌ من تاريخ المنطقة.