عبده الأسمري
ما بين سبل «الرشاد» ونبل «السداد» بنى صروح «الإسهام» في متون «التخصص»، وأسس طموح «الإلهام» في شؤون «الاختصاص»، فكان العامل المشترك الأكبر في عطايا «المباركة» وهدايا «المشاركة»، وظل المقترن الأمهر في توظيف «الضياء» المعرفي وتسخير «الإمضاء» الاحترافي..
وسط «مختبرات» الكيمياء و»معامل» الفيزياء وأمام مواهب «الذات» ومهارات «النفس» شكَّل «مكونات» بديعة من «عناصر» المعرفة وأنتج «مركبات» مبهجة من مواد «الثقافة» فكان «العدد» الصحيح في «معادلات» الأثر الوطني والناتج الأصح في «معدلات» التأثير المهني.
انخطف إلى كيميائية نفيسة بين «الشعر» و»الجبر» لينتج «استثنائية» مهيبة من «الأدب» و»العلم» مرتدياً رداءً فضفاضًا من «الانفراد» ماضياً في ساحات «التفوق» مشعلاً «إضاءات» الذكر وموقداً «امضاءات» الفكر ليجني الاقتدار ويحصد الاعتبار في منصات «التطوير» ومحافل «التنوير»..
إنه العالم الأديب الدكتور راشد المبارك -رحمه الله- أحد أبرز العلماء والأدباء والمثقفين في الوطن والخليج.
بوجه حساوي تسمو فيه «طبائع» النشأة وتعلو وسطه «صنائع» التنشئة مشفوع بالصمت ومسجوع بالسمت مع سحنة تنبع منها نظرات «الصفاء» وتشع وسطها «لمحات» النقاء» وشخصية ودودة تتصف بلطف القول ولين الجانب وسمو التعامل ومحيا أنيق يعتمر البياض وكاريزما تتقاطر منها ومضات «الذكاء» وتتسطر فيها بصمات «الدهاء» وصوت خليط ما بين لهجة حساوية بحكم الأصول ونجدية باحتكام «الفصول» وعبارات «أدبية» فاخرة الصدى واعتبارات ثقافية زاخرة المدى ومفردات علمية تتعالى من «مخزن» علمي وانفرادات عملية تتسامى من «مخزون» عملي قضى المبارك من عمره عقودًا وهو يهدي للأجيال «بشائر» الابتكار ويؤصل في الأفعال «بصائر» الاختيار رافعاً راية «المعارف» ومحققاً غاية «المشارف» عالماً كيميائيًا وفيزيائيًا وشاعراً جهبذاً وأديباً بارعاً وفيلسوفاً مبدعاً وأكاديمياً منتجاً كتب سيرته بمداد «المهارة» وأسس مسيرته بسداد «الجدارة».
في مدينة الهفوف جوهرة «الشرقية» والشهيرة بزف «العلماء» إلى ساحات «التنافس» ولد عام 1354 وسط أسرة «فاضلة» وتجرع اليتم باكراً بعد وفاة والده وهو ابن الثامنة والذي تعلم منه سر «المعاني» وجهر «التفاني» ليرتمي في «أحضان» والدة سخية «الحنان» بذخة «العطف» ليترعرع أمام أعينها وظلت تراقب خطواته الأولى طفلاً يلقي أمامها كل مساء «أمنيات» النبوغ و»أحلام» البزوغ.. وظلت تقتبس من حدس الأمومة توقعات تقارنت بتأكيدات بمستقبل باهر لطفلها «البار» وهو يمطر نهاراتها بمهام الجد ويعطر مساءاتها بأحلام الغد، فظل حديث «الجيران» وحدث «المكان» مجللاً بتحصينات الذكر اليومي الذي حرصت والدته أن تكون زاده اليومي للغنيمة من كل خير والسلامة من كل شر.
ركض مع أقرانه طفلاً بين واحات الأحساء متنفساً عبير «الحقول» ومستنشقاً نسيم «المزارع»، وتفتحت عيناه أينما ولى ناظريه إلى اتجاهات العلم والدين والأدب في أسرته التي غرست رياحين القرآن الكريم والعلوم الشرعية في وجدانه باكراً حيث تعلَّم على يد أعمامه وفقهاء عائلته، ودرس اللغة على يد العالم الشيخ مبارك بن عبد اللطيف المبارك. وحضر الحلقات العلمية ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بالهفوف سنة 1363هـ، وواصل حتى تخرج من المرحلة الثانوية عام 1378هـ، واستشف «الملهمون» من معلميه وأقاربه نبوغه الباكر بعد مقالة بريئة جريئة نشرها في صحيفة المدرسة الثانوية بعنوان: (قصة نفسي). ولأنه مشفوع بالدوافع ومدفوع بالمنافع اقتحم أسوار العمل مبكراً بعد أن تخرج حيث عمل في فرع وزارة المالية بالأحساء، ثم انتقل للعمل موظفاً في محكمة القطيف، وأثناء ذلك ظل شغوفاً بالعلم يتردد على مكتبات «بلدته» ويقتني «الكتب» من باعة المعرفة ويحتضن حقيبته «الجائلة» المكتظة بقصاصات الكتَّاب العمالقة والممتلئة بكتاباته الباكرة والتي كانت «الخارطة» الأولى التي فك بها «ألغاز» الاكتشاف وأبحر عن طريقها في «محيطات» العلوم..
التحق بعدها ببعثة دراسية في القاهرة ليحصل على البكالوريوس في علم الكيمياء والفيزياء عام 1384هـ، وعاد بعدها للوطن ملوحاً بعلامة الانتصار وفي يمناه «شهادة» التميز وفي يسراه تلويحة «الفرح» ليلتحق بكلية العلوم بجامعة الرياض معيداً، ونظراً لتميزه تم ابتعاثه إلى جامعة مانشستر في (إنجلترا) ليحصل على دبلوم الدراسات العليا في الفيزياء الجزئية، وعاد بعدها إلى البلاد ليعُيَّن مديراً للمختبرات الكيميائية بوزارة الزراعة عام 1389هـ، ثم حصل في العام نفسه على بعثة أخرى إلى جامعة ويلز ليتخصص في علم كيمياء الكم ويتخرج منها بدرجة الدكتوراه عام 1393هـ، ثم تعين بعدها أستاذاً للكيمياء في جامعة الرياض، حيث كان من ضمن تخصصه الدقيق استخدام الذرة في الزراعة، ليكون أول سعودي في هذا المجال.
تعين عميداً لكلية الدراسات العليا في جامعة الرياض ونال عضويات في المجلس الأعلى لجامعة الملك فيصل ومجلس أمناء معهد تاريخ العلوم العربية في جامعة فرانكفورت بألمانيا، ومجلس أمناء جامعة الخليج العربي، وفي لجنة معادلات الشهادات العليا بوزارة التعليم العالي. ونظرًا لسيرته العاطرة تم تعيينه رئيساً للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الأسيسكو) من عام 1401هـ - 1407هـ، كما اختير عضواً في إدارة الموسوعة العربية العالمية التي كان يرأسها الأمير سلطان -رحمه الله- وعضواً في المجلس الأعلى للإعلام الذي كان يرأسه الأمير - رحمه الله.
وفي عام 1403 أسس المبارك أحديته الشهيرة وهي ندوة ثقافية أسبوعية في تخصصات مختلفة واستضافت نخبة ممتازة من المفكرين والعلماء والساسة في منزله. وكتب المبارك في العديد من الصحف المحلية والعربية والعالمية وله العديد من الأبحاث والمؤلفات المعرفية والعلمية والأدبية وهي (هذا الكون ماذا نعرف عنه، وكيمياء الكم، وقراءة في دفاتر مهجورة، ورسالة إلى ولادة (ديوان شعر). وفلسفة الكراهية. وشعر نزار (بين احتباسين). وشموخ الفلسفة وتهافت الفلاسفة. والطرف خبز عالمي. ومن قضايا المجتمع السعودي وأوراق من دفاتر لم تقرأ.
توفي المبارك يوم الأربعاء 29 ربيع الآخر 1436 هـ بعد معاناة مع المرض. وووري جثمانه ثرى بالرياض، وسادت الساحة العلمية والأدبية والثقافية حالة من الحزن لرحيل رمز وطني ورقم «ثقافي» لا يتكرر، وتناقلت الأوساط والوسائط النبأ بدعوات الغفران واستدعاءات الامتنان لما قدمه الراحل من مناهج ومباهج في اتجاهات النماء والانتماء في المعرفة والثقافة والأدب والعلوم..
صفات كثيرة وسمات متعددة وحصيلة «إنسانية» مذهلة أنتجها «حاصل» شخصي صنعه المبارك من موجبات التنوع الفكري وعزائم الإبداع التنويري.
راشد المبارك.. العالم الأديب والفيلسوف المهيب والرجل النبيل والمثقف الأصيل المقيم في ذكرى «الإشادة» والقائم في استذكار «الإجادة» كقامة علمية وقيمة بشرية ومقام ثقافي..