محمد سليمان العنقري
روّجت وسائل الإعلام الإيرانية لزيارة رئيس إيران للصين بأنها ستمثّل نقلة نوعية بعلاقات البلدين الاقتصادية والتجارية على وجه الخصوص متوقعين أن يعلن عن صفقات وشراكات وعقود ضخمة لكن المفاجأة بأن شيئاً من ذلك لم يحدث وكل ما نتج عن الزيارة بيان مشترك يؤكد على تعزيز العلاقات ويدعو لتنفيذ الاتفاق النووي الذي وقع في 2015 ، داعين لرفع العقوبات عن إيران بينما لم يتم الإعلان عن أي مشروع تجاري أو استثمارات بين البلدين، بل لم يتم التطرق لانسحاب شركة سينوبك الصينية من إيران والتي كانت تنوي ضخ استثمارات بقطاع الطاقة بعد أن توقيع اتفاقية شراكة مدتها 25 عاماً بين البلدين لاستثمار يبلغ 400 مليار دولار من قبل الصين إلا أن جموداً كبيراً يهيمن على هذه الاتفاقية؛ فإيران أحوج ما تكون لتحسين أوضاعها الاقتصادية بعد موجة الاحتجاجات الشعبية لأسباب معيشية والتي يتم التكتم عليها بقطع الإنترنت ووسائل التواصل عن السكان لكن ما زالت الأخبار تتوالى بأنها لم تتوقف بشكل كامل، فالمواطن الإيراني ينظر لثروات بلاده الضخمة بأنها تذهب دون أي فائدة له.
ولكن هل يمكن اعتبار زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأنها فقط محاولة لإنقاذ اقتصاد بلاده من قبل الصين، حيث إن طهران تعيش عزلة دولية واسعة واقتصادها متدهور والعقوبات بدأت تؤثّر بشكل كبير وتتغلب على كل طرق التحايل عليها واعتماد إيران نهج اقتصاد الأزمات لإدارة شؤونها فجائحة كورونا والتضخم العالمي مع العقوبات أثرت كثيراً على إيران بما يفوق كل سنوات العقوبات السابقة، في الحقيقة قد يكون رئيسي على علم بأنه لن يحصل على شيء مما يتمناه من الصين لأسباب عديدة فالدولة الثانية بالاقتصاد العالمي تتمتع حالياً بعلاقات قوية جداً مع دول عديدة بالشرق الأوسط وحجم تجارتها مع دول الخليج يقارب 200 مليار دولار سنوياً منها أكثر من 80 مليار دولار مع السعودية بينما تجارتها مع العالم العربي تبلغ 330 مليار دولار أما مع إيران فتبلغ 14.6 مليار دولار ورغم الشراكة التي وقعت مع طهران إلا أنه لم تستثمر الصين إلا 185 مليون دولار في 25 مشروعاً وهو حجم ضئيل جداً قياساً بما اتفقوا عليه عند 400 مليار دولار، فالصين تدرك أن العقوبات على إيران ملف شائك ولا تريد أن تتسرّع بأي استثمارات كبيرة قد تعود بالضرر على شركاتها خصوصاً أن مفاوضات الاتفاق النووي مجمدة وحسب وصف الأمريكيين ليست على قائمة الأجندة حالياً وهذا يعني أن العقوبات ستطول إضافة إلى أن الاحتجاجات كانت واسعة بإيران وهذا مؤشر قد لا يخدم استقرارها بالمدى المنظور كما أن الاتهامات من قبل الغرب لإيران بأنها تمد روسيا بطائرات بدون طيار تستخدم بالحرب على أوكرانيا قد ينتج عنه تصعيد أكبر بالعقوبات الغربية على طهران أي أن الصين لن تقدم على استثمارات كبيرة إلا عند ظهور مؤشرات لانفراجات بمفاوضات الاتفاق النووي أو أن تحصل على مزايا ضخمة جداً فالطرف الإيراني موقفه ضعيف وهو ما قد يجعلهم يرضخون لأي شروط من الشركات الأجنبية من دول مهمة لهم مثل الصين وروسيا مقابل كسر هذه العزلة الدولية وإن كان الأمر يبدو مع ذلك معقداً فالبيئة الإيرانية غير محفزة على جذب أي استثمار مهما كان حجم المزايا المقدمة لأي مستثمر أجنبي.
لكن أيضاً هناك ما يمكن قراءته على نحو مختلف من أهداف هذه الزيارة لذلك فإن إيران لم تكن تتوقّع منها الكثير إلا أنها على ما يبدو تريد أن توصل رسالتين مهمتين للعالم الغربي تحديداً الأولى تتعلق بفتح الأبواب للصين أكثر لكي تتواجد بعمق وبمصالح كبيرة بالشرق الأوسط مما يعزّز قوتها التجارية ويؤمن التنوع بمصادر الطاقة لها أي أن إيران تحاول أن تقايض الغرب بطريقة غير مباشرة إما علاقة مفتوحة مع الصين أو تعيدوا إحياء الاتفاق النووي وذلك لكي يتم رفع العقوبات فطهران تعلم بدون علاقة مع الغرب سيبقى اقتصادها بحالة من الشلل شبه الكامل فهي تراهن على أن الغرب وأميركا تحديداً لا يرغبون بأي توسع صيني خارجي يأخذ منحى سياسياً وعسكرياً مع الاقتصادي والتجاري فهم في مرحلة مصيرية في مواجهة الصين ومحاولة تحجيمها لكي لا تصبح القوة الأولى بالعالم اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً أما الرسالة الثانية فهي محاولة أيضاً من الرئيس الإيراني لإثبات أن بلاده مستقرة والاحتجاجات توقفت، إذ لا يمكن لرئيس دولة أن يخرج بزيارات رسمية تدوم أياماً وبلده تعاني من عدم استقرار فهو يريد أن يسقط رهان الغرب على أن حكومته قد تسقط بفعل الاحتجاجات أي أن بلاده ما زالت قوية ولاعب إقليمي مهم بينما الواقع يقول إن اقتصاد إيران متهالك والدولار يساوي قرابة 420 ألف ريال إيراني والتضخم مرتفع وكذلك البطالة.
بينما تحاول إيران إثبات قدرتها على المناورات السياسية والمساومات مع الغرب لا تبدو أن فرصها بالنجاح هذه المرة كبيرة، إذ عليها أن تقدم تنازلات كبيرة كي تنجح بالعودة للمفاوضات النووية، فالدول التي تعتمد عليها ليست مشغولة بأهمية إيران لها، فالصين فرضت نفسها كقوة اقتصادية ولديها مبادرة الحزام والطريق الناجحة والتي عززت من قوتها الاقتصادية وتتمتع بعلاقات شرق أوسطية ممتازة ولا يمكن أن تضحي بها لأجل طهران بالإضافة إلى أنها تريد الاستقرار بالشرق الأوسط وهو عكس ما تقوم به طهران مما يجعل سياسات إيران محل خلاف مع الصين خصوصاً أنها عزَّزت علاقتها بالدول العربية بقمة الرياض والتي كانت إشارة واضحة كيف تنظر الصين للمنطقة وللشراكات فيها إضافة إلى أن روسيا والتي تعد الحليف الأهم لإيران مشغولة بحربها على أوكرانيا وكذلك بحجم العقوبات الضخم الذي تعرضت له من الغرب إضافة لعلاقتها القوية مع دول الخليج من خلال اتفاق أوبك بلس والذي لها مصلحة كبيرة باستمراره أي أن مصالحها أيضاً تغيَّرت مما يجعل إيران بموقف ضعف لم تمر به منذ عقود وهو ما أدى لأن تكون الزيارة للصين غير مثمرة حسب ما رشح عنها.