تركي بن رشود الشثري
فرض اسم أسامة المسلم نفسه بقوة على الساحة القرائية العربية، ليصبح واحدًا من أكثر الروائيين قراءةً في أدب الفانتازيا والتشويق، لكن مع كل نجاح، تأتي موجات من النقد، ومع كل تجمع يعلو صوت التمنع، وأبرزها ما أثاره الدكتور سعد البازعي حول أعمال المسلم، واصفًا إياها بأنها رائجة لكنها لا ترقى إلى الأدب الجاد.
هنا يطرح السؤال نفسه: هل الأدب الجماهيري ظاهرة يجب أن يُحتفى بها، أم مجرد سحابة عابرة لا تصمد أمام معايير النقد الأكاديمي؟ وما مدى صحة النقد الموجه للمسلم؟
لتحليل أعمال المسلم، لا بد من النظر إلى عناصرها الأساسية:
البناء السردي: يستخدم المسلم أسلوبًا يعتمد على التشويق وتصعيد الأحداث بشكل متدرج، مما يجعل القارئ مشدودًا طوال الوقت، إلا أن بعض النقاد يرون أن هذا الأسلوب رغم فاعليته إلا أنه قد يكون على حساب العمق النفسي للشخصيات.
الشخصيات: شخصياته جذابة لكنها قد تفتقر أحيانًا إلى التعقيد الكافي الذي يمنحها بُعدًا إنسانيًا أعمق، فبينما تكون الشخصيات الرئيسية ذات طابع بطولي أو ملحمي، تفتقر بعض الشخصيات الثانوية إلى التمايز الواضح.
اللغة والأسلوب: يتميز المسلم بأسلوب سلس وسهل القراءة، مما يجعله محببًا لفئة الشباب، لكنه في المقابل، لا يعتمد على اللغة الأدبية الثقيلة أو الرمزية العميقة، مما يجعل البعض يراه أقرب إلى الأدب الترفيهي منه إلى الأدب الفني، وكأنه تفريغ للأدب من أدبيته.
الرمزية والعمق الفلسفي: على الرغم من وجود إشارات فلسفية أو فكرية في بعض أعماله، إلا أنها غالبًا ما تكون خفيفة مقارنة بأعمال أدبية أكثر تعقيدًا، لكن هل يُعتبر هذا ضعفًا، أم أن لكل نوع أدبي جمهوره، بمعنى أنه لو تعمق فلسفيًا فهل الفئة المستهدفة ستتماهى مع هذا العمق وتتذوقه ويرتقي بها، وهل يملك المسلم الآلة الفلسفية لمثل هذا الدور ولكنه خفض من مستوى الخطاب من أجل المتلقين؟
إذا وضعنا روايات المسلم في سياق أدب الفانتازيا العالمي، فهل نقول: هي أقرب إلى الأعمال التي تحقق توازنًا بين الترفيه والسرد المحكم، مثل روايات دان براون التي تعتمد على التشويق والإثارة مع حبكة ذكية بالإضافة لضخ رمزي تاريخي كثيف، لكن على عكس أدباء مثل تولكين أو جورج مارتن، الذين يخلقون عوالم فانتازية متكاملة ذات تاريخ وأساطير معقدة، تبدو عوالم المسلم أقل تعقيدًا من حيث البنية العميقة، لكنها في المقابل أكثر سرعة وجاذبية للقارئ العادي.
أثار الدكتور سعد البازعي جدلاً واسعًا عندما انتقد أعمال أسامة المسلم، معتبرًا أن نجاحها التجاري لا يعني أنها ذات قيمة أدبية عالية، هذا النقد يفتح باب التساؤل:
هل الطرح الجماهيري أقل قيمة من الأدب النخبوي؟
هل النجاح الجماهيري يعني نقص الجودة الأدبية؟
ليس بالضرورة عمومًا، فهناك العديد من الأدباء العالميين الذين حققوا نجاحًا تجاريًا ونقديًا معًا، مثل ج. ك. رولينغ في «هاري بوتر»، النجاح الجماهيري قد يكون مؤشرًا على قدرة الكاتب على التواصل مع شريحة واسعة، لكنه لا يعني بالضرورة التفوق الأدبي أو نقصه، مع أن هاري بوتر ذاتها تعرضت للنقد والتشكيك في أدبيتها.
كذلك نجد روايات المسلم تواجه نفس النقد الذي تعرضت له سلسلة «هاري بوتر» لج. ك. رولينغ، والتي اعتبر بعض النقاد أنها رائجة ولكنها تفتقر إلى التعقيد الفلسفي والأدبي مقارنة بأعمال فانتازيا كلاسيكية مثل «سيد الخواتم» لتولكين أو «أخبار نارنيا» لـ C. S. Lewis.
مرة أخرى مثلما تعرضت رولينغ لانتقادات بسبب أسلوبها البسيط الذي يركز على الحبكة أكثر من الأسلوب الأدبي، كذلك تعرض المسلم لمثل هذا النقد، خاصة أن رواياته تعتمد على الإثارة والتسلسل السريع للأحداث أكثر من الاستكشاف العميق للقضايا الفلسفية أو النفسية، كما رأى بعض النقاد أن «هاري بوتر» ظاهرة تجارية أكثر من كونها عملاً أدبيًا عظيمًا، وعليه قد تستمر النظرة إلى أعمال المسلم بنفس الطريقة من قبل النقاد الذين يرون أن النجاح الجماهيري لا يعني بالضرورة التفوق الأدبي.
هل يجب أن تكون اللغة معقدة حتى يكون العمل أدبيًا؟
لندخل في سياق أن الأدب ليس مقصورًا على الأسلوب المعقد أو الرمزية العميقة، بل يعتمد على هدفية النص، فنقول: المسلم يكتب بأسلوب يناسب جمهورًا واسعًا، وهذا لا يقلل من قيمته الأدبية، لكنه يجعله ينتمي إلى فئة الأدب الترفيهي بدلاً من الأدب الفلسفي أو التجريبي، حسنًا هل الأدب الترفيهي على درجة واحدة، بمعنى: أنا اختار أن أكتب ضمن هذه الجنس الأدبي: «الأدب الترفيهي» فبالضرورة عملي سيأخذ صفة الأدبية؟
هل يمكن مقارنة المسلم بكبار الأدباء؟
المقارنة يجب أن تكون في سياقها الصحيح، المسلم يكتب في إطار الفانتازيا والتشويق، بينما كبار الأدباء الذين يُستشهد بهم يكتبون بأساليب مختلفة تمامًا، لذا يجب تقييم المسلم وفقًا لمجاله وليس بناءً على معايير لا تنطبق عليه.
ماذا قدم المسلم؟
ساهم في إبداع عوالم خاصة فهو يمتلك قدرة فريدة على بناء عوالم خيالية ممتعة وقريبة من القارئ العربي.
التشويق العالي فهو يعتمد على حبكة ذكية تجذب القارئ وتجعله متحمسًا للمتابعة.
سهولة الأسلوب فلغته بسيطة لكنها فعَّالة، مما يتيح وصول أعماله لشريحة واسعة من القراء.
إحياء أدب الفانتازيا العربي فقد ساهم في جعل هذا النوع الأدبي أكثر انتشارًا في العالم العربي.
ومع ذلك عانت نصوص المسلم من:
غياب العمق الفلسفي، رغم بعض الإشارات، إلا أن أعماله تظل ترفيهية أكثر منها فلسفية.
سطحية بعض الشخصيات على الرغم أن الشخصيات الرئيسية قوية إلا أن بعضها كذلك يفتقر إلى التعقيد النفسي العميق.
الاعتماد على التشويق أكثر من البناء الأدبي المحكم، وبعض النقاد يرون أن الإثارة تأتي أحيانًا على حساب البناء الأدبي العميق.
بناءً على هذا التحليل، يمكن اعتبار أسامة المسلم كاتبًا موهوبًا وناجحًا في مجال الفانتازيا والتشويق، لكنه لا يزال بحاجة إلى تطوير بعض الجوانب الفنية إذا أراد أن يُنظر إليه ككاتب أدبي من الطراز الرفيع، ومع ذلك فإن نجاحه الكبير وانتشاره الواسع يجعلان من المستحيل تجاهل تأثيره على الرواية العربية الحديثة.
هل نحن أمام فقاعة أم ظاهرة أدبية جديدة؟
لا يمكن إنكار أن أسامة المسلم يمثِّل ظاهرة في الأدب العربي، فنجاحه ليس مجرد ضربة حظ، بل هو نتيجة ذكاء في فهم الجمهور وتقديم ما يريده بطريقة مشوِّقة، ومع ذلك هناك تساؤل: هل سينجح المسلم في تطوير أسلوبه ليصبح أكثر عمقًا وتأثيرًا أدبيًا، أم أن أدبه سيظل ضمن نطاق الأدب الجماهيري الترفيهي؟
وهناك تساؤل، بل البعض جزم بالنتيجة التالية:
أعمال المسلم وقتية وستندثر مثلما اندثر غيرها، وفي رأيي الشخصي أن الحكم على المستقبل يظل حكمًا على أمر لم يحن وقته بعد، فشكرًا لأسامة المسلم الذي شجَّع الشباب على القراءة.